سمعْنا بمرضه ، عندما كان يشتد عليه كنا نسمع أزيز صدره من البيت ، نسرع إليه فنجده جالسا منحنيا وهو يسعل ، كيف حالك؟ يحمد ويشكر ، هل تحتاج مساعدة؟ فيقول ناولوني علبة الزيت هذه ويشير إلى حامل خشبي قديم ، يأخذ الزيت فيدهن الأماكن الأمامية من جسده الواهن وضلوعه الناتئة ، يشعر بارتياح ، يطلب المساعدة بدهن موطن الألم في ظهره ، يدعو مع كل لحظة إحساس بالراحة بأن يبارك الله في اليد التي تفرك موضع الألم ، خفت حدّة السعال الشديد ، تناول دلة فيها بقايا قهوة من قشر البن من أول الليل ، صبّها في فناجين فخارية ، شعر بارتياح ونحن حوله ، انقطعتْ أخباره ، سافرنا نتلمس البحث عنه ، ركب صاحبي حماره ومشيتُ وراءه في طريق ترابي يكثر شجر الأثل حولها ، وجدنا شجرة عملاقة ظلها بارد أجبرتنا على أن نتفيأ تحتها ، معنا سقاء في آنيةِ فخار ، شربنا مايكفينا مسافة الطريق ، وصلنا أول قرية واجهتنا فوجدنا بها عشة صغيرة تبدو حديثة البناء ، لم نجد أحدا نسأله ، اقتربنا من البيت المصنوع من الشجر لنسأل ، بدا لنا صوتُ أنينٍ حزين ، اقتربنا منه فعرفناه ، كان يسعل سعالا خافتا تخنقه أضلاع هزيلة بصعودها وهبوطها ، نظر إلينا نظرة مودع ، التفتنا إلى أعلى فلم نر زيتا ، أشار إلينا بأصبعه لا حاجة للبحث ، الطاولة الخشبية التي كان يصب عليها لزواره ليس عليها فناجين للقهوة هذه المرة ، سألَنا عن حالنا وأحوالنا ، أومأنا إليه بطيب الحال ، ابتسم لنا ثم أغمض عينيه للأبد .