نكمل استخراج الدرر من قصة سيدنا يوسف، يقول تعالى في الآية الخامسة:
(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (5).
بعد أن روى يوسف لأبيه تلك الرؤيا المبشرة طلب أبو يوسف من ابنه ألا يحكي رؤياه لإخوته حيث انه قد سبق و رأى منهم حسدا، لهذا منع يوسف أن يخبرهم حتى لا يأكلهم الحسد و يثير عداوتهم. ومعنى ( يكيدوا لك كيدا) أي يكيدوك و يناصبونك العداء و يتبعون توجيه الشيطان ضدك.
و بالفعل لم يخبرهم يوسف و من ثم تتوالى الآيات فأخذ أخوة يوسف و كانوا عصبة يحيكون مؤامرة للتخلص من يوسف، غيرة و حسدا، و صنعوا مشهدا كاملا من الشر وبدؤوا في تنفيذه فأخذوا يراودون أباهم ليأخذونه معهم يستبق و يمرح و عبر يعقوب عن خوفه عليه و لكنه سمح لهم في آخر الأمر، فأخذوه واتفقوا على أن يجعلوه في غيابة البئر و قيل أنه بئر في الشام و قيل ببيت المقدس، وكان من أشار عليهم بهذه الفكرة هو روبيل كبيرهم و ابن خالة يوسف، وبالفعل أخذوه و أرادوا رميه في عمق البئر على أمل أن يلتقطه بعض المسافرين و بالفعل التقطه بعض الأعراب بعد ذلك كما ذكر القرآن ، وبدأوا يراودون أباهم ليأخذونه وبالفعل نجحوا في اقناعه وأخذوه.
يقول الله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)..
أخذوا إخوة يوسف أخاهم الأصغر واتفقوا أن يرموه في البئر بدلا من قتله وبدأ أحدهم وضربه فأخذ يستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيمًا ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه! يا يعقوب! لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ! فلما كادوا يقتلونه، قال يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه ، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلّق بشَفير البئر، فربطوا يديه، ونـزعوا قميصه ، فقال: يا إخوتاه! ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ ! فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحد عشر كوكبًا تؤنسك ! قال: إني لم أر شيئًا ، فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادةَ أن يموت. وكان في البئر ماءٌ فسقط فيه ، ثم أوَى إلى صخرة فيها فقام عليها . قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي ، فنادوه ، فظنّ أنها رحمة أدركتهم ، فلبَّاهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فقام يهوذا فمنعهم ، وقال: قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا أو روبيل ( وهو أحد إخوته و ابن خالته) يأتيه بالطعام.
و تتوالى الآيات بذكر الأحداث فقد عادوا إلى أبيهم باكين كاذبين ولم يصدق روايتهم بإن الذئب قد أكله ولكنه وكل أمره لله تعالى ووعد الله نبيه أن يخبرهم بهذا الفعل الذي فعلوه بعد ذلك دون معرفتهم بهذا الوحي..
نعود إلى يوسف داخل البئر.. فتى صغير في ظلمات البئر وحده يعاني الخوف ثم كان أن مر عدد من المسافرين فأرسلوا من يأتي لهم بماء من البئر فأنزل الدلو فتعلق يوسف بالحبل ، فلما خرج إذا غلام كالقمر ليلة البدر ، أحسن ما يكون من الغلمان . قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإسراء من صحيح مسلم : فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن . وقال كعب الأحبار : كان يوسف حسن الوجه ، جعد الشعر ، ضخم العينين ، مستوي الخلق ، أبيض اللون ، غليظ الساعدين والعضدين ، خميص البطن ، صغير السرة ، إذا ابتسم رأيت النور من ضواحكه ، وإذا تكلم رأيت في كلامه شعاع الشمس من ثناياه ، لا يستطيع أحد وصفه ; وكان حسنه كضوء النهار عند الليل ، وكان يشبه آدم - عليه السلام - يوم خلقه الله ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية ، وقيل : إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة ; وكانت قد أعطيت سدس الحسن ; فلما رآه مالك بن دعر( أحد المسافرين) قال : " يا بشراي هذا غلام.. وفي معناه قولان : أحدهما : أن بشرى هو اسم الغلام الذي أدلى الدلو ، والثاني : معناه يا أيتها البشرى هذا حينك و وقتك..
وأسروه بضاعة الهاء كناية عن يوسف - عليه السلام - فأما الواو فكناية عن إخوته . وقيل : عن التجار الذين اشتروه ، وقيل : عن الوارد وأصحابه .. قال ابن عباس : أسره إخوة يوسف بضاعة لما استخرج من الجب ; وذلك أنهم جاءوا فقالوا : بئس ما صنعتم ! هذا عبد لنا أبق أي هرب ، وقالوا ليوسف بالعبرانية : إما أن تقر لنا بالعبودية فنبيعك من هؤلاء ، وإما أن نأخذك فنقتلك ; فقال : أنا أقر لكم بالعبودية ، فأقر لهم فباعوه منهم . وقيل : إن يهوذا وصى أخاه يوسف بلسانهم أن اعترف لإخوتك بالعبودية فإني أخشى إن لم تفعل قتلوك ; فلعل الله أن يجعل لك مخرجا ، وتنجو من القتل ، فكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته ; فقال مالك : والله ما هذه سمة العبيد ! ، قالوا : هو تربى في حجورنا ، وتخلق بأخلاق ، وتأدب بآدابنا ; فقال : ما تقول يا غلام ؟ قال : صدقوا !
و بالفعل باعوه على التجار و هكذا نجا يوسف..
وأحداث القصة بدأت من شعور الحسد و انتهت إلى محاولة القتل و الجريمة، و هنا نستفيد استفادتين:
* أن نطهر قلوبنا من الحسد و الحقد فهما آفة تقضيان على كل جميل و تجران إلى سوء الفعل.
** أن الله قادر على أن ينقذ من يشاء مهما أحاطت به المخاطر و حيكت ضده الدسائس فالله خير الماكرين..
و للأسف يحدث كثيرا أن يغار الأخوة من بعضهم و هنا دور الوالدين ليهذبوا خلق أولادهم و يطهرونها من الحسد و الحقد.
تابعونا غدا
فالقصة مشوقة ..
التعليقات 2
2 pings
مفلح الصاطي الحربي
18/04/2021 في 5:36 م[3] رابط التعليق
جميل ما خط يراعك يا دكتورة ، أسلوب ماتع وسرد شائق ودرر مغلفة بالبيان البديع .
وفقك الله لكل خير وزادك من فضله.
(0)
(0)
سعود العتيبي
20/04/2021 في 8:08 ص[3] رابط التعليق
اسلوب قصصي مشوق جداً
راقت لي و بلغت مني مبلغاً
أهنيك على هذا الإبداع
(0)
(0)