/أوجد الله البشرية على هذه البسيطة من العدم لا يحملون معهم صرة مال، سلة غذاء، أنواع كساء، واختلاف مأوى، فسبحانه جَلّ في علاه خلقهم وتكفّل بأبواب أرزاقهم، تدابير أقواتهم، ونوافذ معايشهم، وأسبغ عليهم نعماً لا تعد ولا تحصى، فينزل نعمه على من يشاء بحكمة، ويرفعها عنهم بحكمة وقدر، فهو المستحق بشكره وحمده بكل جوارحنا، يقول تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، ليبارك لنا فيما رزقنا ويزيدنا من فضله ونعيمه.
يرزقنا الإله فنثني عليه ونحمده، قال الباري: (وأما بنعمة ربك فحدث)، نتحدث بأنعم الله العظيمة وعن آلائه الجسيمة، كلوا، اشربوا، والبسوا من غير رداء مخيلة ولا ثوب ترف، ولا تتبعوا طريق الإفراط، فإنها من عظم الذنوب، وكبر الآثام التي ذمها الواحد الأحد، يقول المولى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إِنه لا يحب المسرفين)، نهي صريح ومباشر بعدم الإسراف، الموجب لغضب الرحمن .
لكن للأسف ما أراه كل عام في هذا الشهر المبارك يبدأ المسلمين بالإستعداد لإستقباله بغرائب المشتريات، وعجائب المقتنيات، وأموال تنفق ببذخ بغيض، وتنافس مريب في الأطباق المزركشة، الكؤوس الملونة، أصناف المأكولات، الحلويات المتنوعة، العصائر المختلفة، منازل مزينة، وإقامة أفخر الولائم، والبعض يقترض المال لتغطية نفقات رمضان، ليصبح شهرنا الفضيل ميدان تنافس، وأنغام تباهي وألحان تبديد، فيأكلون القليل منه، ويتعرض الباقي بإلقائه في الحاويات، في حين يوجد الكثير من الأسر المتعففة والمحتاجة التي لا تجد قوت يومها ومن يسد رمقها، ويعطف عليها .
فيحذرنا المنان من دروب التبذير المذمومة المحفوفة بالشياطين، قال تعالى: (ولا تبذر تبذيرا * إِن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، فلنقلع من هذه العادات البالية، حتى لا يحل علينا سخط رب الأرباب، ولنعلم أن رمضان ليس إلا شهر طاعة وعبادة، بحر التقوى، ديمة رحمة، سفن مغفرة ورضوان، والعتق من النيران، فلم يُشرع الصيام إلا للمساواة بين الفقير والغني، وتدريب النفس على حصون الصبر، دروع المشقة، قلاع التضحية، ولكي نشعر بجوع المساكين والمحتاجين .
فنحن مفتقرون لله في كل أحوالنا، محتاجون إلى عونه في كل شؤوننا وأمورنا، فإياكم أن تغرنكم العجوز الشمطاء، فالخالق غني عن عباده القادر على أن يهلكهم ويذهبهم، وأن يبدلهم ويأتي بغيرهم، فاحذروا من حلول نقمته، ولظى مقته، ومن سيل عذابه، نستغفر الله ونتوب إليه من سيئات أعمالنا، نسأل رب الأكوان أن يديم نعمه وأن يبعدها عن الزوال، ويبعدنا عن أقداح المعاصي .
همسة :
إياكم والتباهي وتصوير كل ما لذ وطاب والتفاخر بخيلاء، ففيها تبذير وإسراف وكسر لقلوب المحتاجين المتعففين والفقراء .