من الشعر التركي (في القمة نسور كما الأفاعي .. لكن أحدهم يصعد زحفًا ..والآخر يطير محلقًا..ليس المهم أين تذهب ولكن المهم كيف تصل!).
ترى أيهما أهم شرف الغاية أم شرف الوسيلة أم كلاهما معًا؟
تنوعت الفلسفات الإنسانية وتفاوتت في تناول هذا المفهوم فبعض الأيديولوجيات أولت الغاية الاهتمام الأعظم وحرصت على شرفها وأهملت جانب الوسيلة إهمالًا جسيمًا، وبعضها الآخر أولى الوسيلة ونظافتها كل الرعاية والحماية إلى درجة تضييع الغايات والأهداف، فهاهو ميكيافيللي يقرر بأن الرجال لايمكن أن يرتقوا إلا في حال استخدامهم للخداع وتنازلهم عن بعض القيم وعليه فهو يقرر مبدأ الغاية تبرر الوسيلة والمذهب البراجماتي يقوم على ذلك المبدأ، وينادي بضرورة وجود المنفعة والفائدة المادية، وأن النتائج تعتبر أخلاقية طالما هناك أرباح تجنى, وبهذا فالبراجماتية لايهمها شرف الغاية ولاشرف الوسيلة فالمبادئ والنواميس هي مجرد ترف لايلقى له بالًا أما الأهم هو تحقيق المنفعة وجني الثمرة مهما بلغت الغايات والوسائل من البشاعة، ونظرًا لعمق تأثير هذه الفلسفة في العالم الغربي ظهرت عمليات غسيل الأموال و مزاولة الاتجار بأي شيء كان فقط لزيادة الربح سواء الاتجار بالمخدرات أو انتهاج الربا أو الدعارة أو القمار أو بيع الأعضاء البشرية أو امتصاص دم الشعوب فكل شيء متاح طالما هناك إنتاجية وربح، وهذا المبدأ تنتهجه دول كما الأفراد وهو مخالف بالكلية لفلسفة الإسلام التي تشترط شرفي الغاية والوسيلة فالغايات يجب أن تكون راقية، وكذلك الوسائل ولاتبرير يقبل في ديننا لاستخدام أساليب دنيئة مهما كانت الغايات متميزة.
وتظهر تبعًا لذلك الحكمة من تحريم الربا والقمار وتسخير المرأة في الدعارة والفسق كما يفعل الصهاينة، وتجري تلك الروعة في الرؤية الإسلامية على الحياة بأكملها، فالمسلم لايجب أن ينتهج أي طريق غير أخلاقي أو مخالف لتعاليم الدين للوصول لأي هدف بغض النظر عن قدسية الهدف، وبتوسيع دائرة التفكير والإسقاط والقياس يمكن إدراك كيفية تناول بعض الأمور بالرفض أو القبول، فتلك الزوجة التي تحلل لنفسها استخدام السحر لكسب محبة زوجها تحت تبرير نظافة الغاية فهذا أمر مرفوض ومحرم حتى في الغايات الشريفة، وذلك الموظف الذي يقبل الرشوة وهو يعتقد أنه يفعل الصواب لتوفير حياة أفضل لأبنائه، وتلك الفتاة التي تخلع الحجاب بحجة أن هدفها النبيل هو الحصول على فرصة زواج مناسبة أو المتزوجة التي تفعل ذلك لنيل رضا زوجها الزائغ العين والفكر، و ذلك الطالب الذي يلجأ للغش لتحقيق النجاح وطالب الدراسات العليا الذي يسخر بمقابل مالي من يكتب له بحثه ورسالته، وذلك الشاعر الشهير اسمًا الذي يشتري القصائد من مغمور محتاج يبيع حروفه وإبداعه من أجل العوز أو الطمع المادي، نماذج وصور كثيرة لمن حلل الوسيلة واستباحها وعزا ذلك لأهمية الهدف وشرفه، فليس الإنجاز في أن تصل إلى قمة بل الأهم كيفية الوصول إليها زحفًا كأفعى خبيثة أم تحليقاً كنسرٍ أشم.
ولو كان الأمر بيدي لحرمت حتى تقطيع الأشجار وامتهانها لولا حاجتنا إلى الورق، ولمنعت صيد الأسماك وبيعها لولا حاجتنا إلى الغذاء، ولحظرت قطف الورود وذبولها لولا حاجتنا لروعتها في البيوت والمناسبات، لو كان الاختيار لي لأبقيت على كل جمال في موطن جماله، ولما سمحت بخدش سحر هذا الكوكب بأي وسيلة كانت فالمولى خلق الكون جميلًا خلابًا لا لندمره وندنسه بل لنسكنه جميلًا ونتركه جميلًا.
وهج..
يابن آدم أنت فيها خليفةٌ
لا تفسدن الأرض جهلاً وكبرًا
يابن آدم لاتهدمنَ سقيفةً
فتهلك نفسًا وتحملنَ لها وزرًا
يابن آدم عمٍرِ الأرض خيفةً من الله
فلن تخلد فيها
... عمرًا ولادهرًا