يتميز مجتمعنا عن المجتمعات الغربية بالترابط الأسري سحابة خير تظللنا، ينابيع حنان متدفقة تروينا، دروع أمان تطوقنا، في حين يفتقده المجتمع الغربي ويعانون من الوحدة خوفاً من عدم وجود من يساندهم ويرعاهم، بالمختصر حياتهم الأسرية تفكك وانحلال وأبناؤهم ضائعون في بحر لا قرار له، فحمداً لله على ما نحن عليه من نعمة عظيمة .
رغم تلك النعم القيمة إلا أن طبيعتنا البشرية تحتم علينا إيجاد نوع من التوازن النفسي، ويكون ذلك من خلال اتخاذ رفيق درب لنا، يحمل مشاعل من نور، يربّت على أكتافنا بلحن الخير ، يأخذ بأيدينا بناي الصدق، يرشدنا بمزامير الفضائل، ينبهنا إن أخطأنا، يصوبنا بقناديل المعروف، فميزان المرء أخلاؤه .
قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ..؟ كنت أسمع هذه الكلمات مراراً وتكراراً التي تحمل في طياتها الكثير من سراج القيم، ومن مصابيح المعاني، لأن الناس تعرف الشخص من خلال من يصاحب، فصحبة الأخيار تفيض على الأصحاب برياح الخيرات، وصحبة الأشرار ستترك بصماتها السيئة تفوح خبثاً، إذاً تأثير الصاحب قوي جداً على صاحبه أقوى من تأثير الوالدين والإخوة والأهل، لأنه يبذر يزرع ويغرس كل ما يريد في نفس وكيان جليسه بطريقة لبقة، وقد وضح النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الجليس المصاحب أثره جليٌ وواضح على الشخص ونتائجه سريعة الظهور ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل} فخليلك هو ذلك الصالح النافع الطيب الذي يعينك على فعل الأفضل .
لذلك يجب انتقاء الأصدقاء جيداً، فكم من صديق يبطن بداخله خبث خفي ودناءة ويضمر العداء، وبظاهره صفائح ذهبٍ تتلألأ بالطيب والخلق الكريم، وكم من رفيق سحب رفيقه إلى وحل الأخلاق الخبيثة، وقاده إلى أشواك المعاصي، ودمر ترابط العلاقات، فليس كل خليل خليل، فالإبتعاد هنا واجب عمن تجري الخيانة بدمائهم بسهولة، تجنب أهل المصالح، واعتزال الثرثارين المتفيهقين الذين لا يكتمون سراً ولا يحفظون وعداً، لأن هؤلاء لا يهنأ لهم بالاً حتى يخرجون ما أؤتمنوا به، وقد يكون كل همهم بث سموم الدسائس، نشر قاموس الإشاعات، اضرام حروب الفتن على موائد الصحبة، فالصحبة الصالحة في هذا الزمن نادرة بل تكون شبه معدومة، ويبقى الصاحب صاحب ليس من صلة الرحم وليس من شأنه التدخل في الأمور العائلية، إما تكون معول عون وخير وإلا فالصمت أولى لا تنثر علينا سمومك البالية، نسأل الله أن يوفقنا لمرافقة الطيبين النافعيين الصالحين.
همسة :
قل لي كم من منفعة جنيتها من رفقاء التقوى ومجالسة الأخيار .. وكم من ضرر ومصيبة جنيتها من صحبة أهل السوء الأشرار .. ؟