لم تكن فرشاتي صماء خرساء، بل وَجس زفير متقد وهمسات شهيق محطمة، فحينما أمسك فرشاة رسمي الجاثية، أمزج خلجات كوكب روحي بألوان نجوم مشاعري ذات الفصول المتعددة، ما بين قسوة وخذلان البشر والطموح الذي عانق ضوء القمر.
شتاء ألمٍ قارس يعصف بالأحاسيس، وربيع رؤوم يداوي الجروح، وصيف وجعٍ تتلظى به القلوب، وخريف منصهر يذيب الأرواح، قابعة بين ثناياها أطياف خيالٍ ليليكة، وصرخاتٍ شظاياها أمطار العذاب، فأجد نفسي بين ممر يزمجر بالآلام المهترئة، والآخر يفوح بعبق الأمال الوليدة، حينها تحديتُ المسافات المهملة وعقارب الساعة الغافية.
وعندما أكتبُ أُزيل عن قلمي اللثام، أصبح غارقة في بحر من يقظة الأمنيات وأمواج اغماء الخرافات، فتبدأ طلاسم أوتار قلبي بايقاعات صاخبة، تطرق الكلمات أبواب قلائد الإحساس، تعزف بجانب نوافذ الشعور ألحاناً قاسية، وتتسلق جدار الحنان الذائب، ثم تمطر ديمة الحنايا مروج العواطف.
حينها تبدأ عواصف الكتابة، فتسدِل منارة الحاسة السادسة ستائر مخاض عناق الحروف، منثورة بديباجة المعاني المكلومة، ذات صرير لأنامل دافئة، فيحلق نميرها الطاغي في ميدان الكهان، يلقي عليهم تعويذة تداعب الألباب العتيقة، تسحر العيون الذابلة، وتراقص الأضلاع على أوتاد الفؤاد فتفتنها، ثم تعود لأحفاد ذكرياتي فتبقى بين طياتها أجراس النسيان تبحر في أمواج بلا ضفاف، تحتسي أكواباً من الصبر صباحاً ومساءً لعلها تكون كفيلة لتحسين المزاج الهائم، لأن الحياة ليست إلا كأس نبيذ عاقر.
همسة :
تأتي الأمنيات على طبق الأحلام .. فيتبخر الحلم وتبقى الأوهام..