يتساوى ويتماثل البشر في صفاتٍ متعددة خَلقًا وخٌلٌقًا، وبينهم تفاوت وعدم توافق كذلك في صفاتٍ أخرى، ولعل الصفة العظيمة التي تميز بها رسولنا الكريم من جملة صفاته الطاهرة، ووصفه الله بها في آيات الذكر الحكيم، هي صفة الخٌلق فقد أحسن الله تعالى خَلْقه، وزاده بحٌسن الخلق جمالًا وهيبةً، حيث كان قبل الدعوة والرسالة وظل أثناءها، يتصف بالأخلاق النبيلة موجهًا، ناصحًا، أمينًا، صادقًا، مبشرًا، ونذيرًا.
فأصبح خير قدوة وأروع مثال لأمته كافة، ويتضح للجميع ماهيَّة القاعدة الصلبة المتين، التي كانت هي الأساس الذي تعتمد عليه الأخلاق في بناء شخصية بشرية سادت الأمة كافة، وهي قاعدة " احترام الذات "، ذلك هو الديدن الذي نهجه وسلكه شفيع المسلمين في حياته، قبل وبعد النبوة وجعله نبراسًا لأمة الإسلام جمعاء، تمامًا كالمحجة البيضاء، التي سطّر عليها رسالته الشريفة، فمتى احترم أحدنا ذاته، تلقائيًا ينعكس ذلك على منهجه وسلوكياته مع الآخرين، فيصبح على قدرٍ عالٍ من الأخلاق والمثل، التي تبني شخصية المسلم الصادق وتجعله متميزًا في حٌسنِ منطق ولينِ جانب، دون تعنتٍ باغٍ أو تجبرٍ طاغٍ، ولأن فاقد الشيء لايعطيه فمن فقد احترامه لذاته كيف له أن يحترم الآخرين مطلقاً ؟؟
وإن أظهر الجميل حينًا فالقبيح لا يختفي طويلًا .
حتى السعي في تربية الأبناء وتعليم الأجيال، وتوجيه النصح وتعديل السلوكيات الخاطئة لدى من يهمك أمرهم، تحتاج فيها احترامك لذاتك، كأساس تستند عليه بقوة في تعاملك ومعاملتك، وعطفًا على أن عدم احترام الذات كفاقد الشيء، في المقابل من يمتلك تلك الصفة العظيمة يكون منبعًا من منابع العطاء، التي تعتبر نموذج في المنهجية، وتمنح المتلقي أشياء عديدة، يفتقدها من قبل ويحتاجها في مقتبل العمر وقادم الأيام، وهذه النماذج النادرة في مجتمعاتنا الحديثة، يلزمنا تلٌمس وجودها أو بعثرة أوراق التاريخ، ونبش الماضي الجميل، بحثًا عن شخصيات سطرت المنهجية في صفحات رائعة، لايمكن تجاهلها أو التغافل عنها، حتى ننهل من مناهلهم ونُحاكي موروثاتهم، لعل وعسى أن نحقق جزء من الثروة الأخلاقي، التي كانت نتاج ذاتية الفكر وجماعية التطبيق قولًا وفعلًا، فكانوا بذلك أكثر ترفعًا وعفةً عن السفاسف والسذاجات، حتى وصلوا لدرجات من الرقي الفكري والعملي، على أساس "احترام الذات ".