نحن السعوديين بعضنا يجهل والبعض الآخر يتجاهل أهمية التخصص ونتغافل بمحض إرادتنا ومع سبق إصرار عن هامات وقامات المتخصصين الضالعين في علومهم السابرين أغوار الواقع المعايش والمتفقهين في الوقائع المدركين لأسباب نشوئها، القارئين عميقًا لنتائجها المستشرفين لتبعاتها على الوطن والمجتمع السعودي.
لذلك نهرع إلى الإدلاء بدولنا في كل شاردة و واردة تحليلاً وتفسيرًا وتشخيصًا، بل لا نتورع عن طرح برامج وخطط العلاج اللازمة لقضايا ومشكلات بينها وبين تخصصاتنا بعد المشرقين عن المغربين.
قد نجد لنا أعذاراً ومبرراتٍ في هرجنا ومرجنا وخوضنا في عِرض قضايا تمس الشأن السعودي، إن شًُحَّ وندُر المتخصصون في سبر أغوارها ومعرفة كنهها وفك طلاسم عُقد سحرها في وطنّا الغالي
بيد أننا نرفل في نعيم وطن يعج ويكتظ به المتخصصون في كل فروع العلم والمعرفة العملية والنظرية والشرعية.
أنفقت حكومتنا الرشيدة المليارات في أعدادهم وتأهيلهم وتدريبهم وإيفادهم داخليًا وبعثهم خارجيًا وإلحاقهم بدورات تدريبية تخصصية ليسهموا في إدارة دفة البناء والنماء والازدهار برؤاهم وخططهم وآلياتهم التنفيذية المبنية على علم وهدى وبصيرة وجعلهم منابر لتبصير العامة وتنويرهم بالحلول للمشكلات الحالّة والرؤى السديدة والاستشراف المستنير للمصاعب والمعضلات المستقبلية، فهم أهل الحل والعقد والرجوع إليهم دليل وعي ومؤشر رقي للفكر والسلوك.
والمجتمعات المتحضرة والمتقدمة علميًا وتقنيًا تولي المتخصصين جل رعايتهم واهتمامهم ومزيد دعمهم وتشجيعهم لقناعاتهم بأن أولئك المتخصصين هم الأحق والأجدر بدراسة الظواهر الاجتماعية وتفسيرها وتحليلها وتشخيصها وصولاً في الختام إلى علاجها ورسم خارطة العمل للوقاية منها مستقبلاً.
عندنا يختلط الحابل بالنابل ويكثر هرجنا ومرجنا في كل المستجدات بشأننا الاجتماعي.
فنجد الرياضي مثلاً يرخي العنان لقلمه ولسانه في المسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية بل والدينية.
وكذلك غيرهم لا يدع شاردة وواردة أو نازلة أو ظاهرة إلا وأدلى بدلوه دون علم ولا دراية .
ونحن بين يدي ظاهرة الترفيه وبرامجها ومناشطها المتنوعة وجدنا الجميع يتهافت في تشخيصها وتسفيه مضمونها بل والتمادي في تكفير القائمين عليها واخراجهم من الملة.
ولو نظرنا للترفيه ومناشطه المختلفة من كافة الجوانب للمسنا العذر للقائمين عليه ولو كنا أكثر واقعية ومنطقية لربتنا على أيديهم ودعمناهم.
فمكونات المجتمع السعودي الغالبية من فئة الشباب والمراهقين ذكورًا وإناثًا وهم في أمس الحاجة إلى برامج تشبع رغباتهم وتنمي مواهبهم وتصقل قدراتهم.
قبلاً وما إن يحل الصيف وتضرب الإجازات السنوية بأطنابها حتى نفاجأ بهجرات جماعية وحشود من السعوديين تهاجر شرقًا وغربًا بحثًا عن المتعة والترفيه والتجديد.
ينفق أولئك المهاجرين للخارج المليارات من الريالات وكم في هذا من الاستنزاف والهدر للاقتصاد المحلي.
وهل كل الأسر السعودية قادرة على تحمل تكاليف السفر الباهضة من تذاكر وفنادق وغيرها؟
بالطبع لا فهؤلاء يرزحون تحت طائلة البقاء مكرهين .
فيما يدخل خزينة الدولة الملايين من الريالات من عائدات الترفيه من أبناء الداخل والخارج، في الوقت نفسه نجنب أبناءنا مخاطر الجرائم التي قد يتعرضون لها في الخارج من سلب ونهب وسرقة لمدخراتهم.
لا يعني ذلك بأني مع الترفيه شكلاً ومضمونًا
مع غثه وسمينه ، حلاله وحرامه لكني مع تقنينه وأحكامه بضوابط شرعية وتكييفه بما يتوافق مع قيمنا الاجتماعية.
ولا بأس من إشراك أهل الحل والعقد وهم كثر في مجتمعنا السعودي في ضبط ظاهرة الترفيه وتطويعها بما يسهم في إقبال كافة السعوديين على برامج الترفيه ويُخفت تلك الأصوات النشاز التي ما فتئت تُثَرِّبُ الترفيه بل وتحرمه شكلاً ومضمونًا.