يوم الاثنين ١٤٣٩/٣/١٣هـ، ها هي اخر ذكرى اكتُبها على مكتبي ، وها هي اخر حروف انثرُها لمن يحب نصوصي ، اخط فيها ثلاثُة اعوام من الألم ، اخبر الجميع عني ومن أكون ، معاناة عنوانُها ( ملاذ ملاك).
" أنا ملاك ، ٢٣ عام .
يقال لي دائمًا ( اسمٌ على مُسمى )، انطوائيةٌ، لا احب التجمعات والإزعاج وحتى الموسِيقى الصاخِبة، لا صديقات على ارض الواقِع ، ليس لدي سوى أمي في هذه الحياة ، فأبي منذ قدومِي لهذه الحياة ، صعدت روحَهُ لرب العِباد.
خُلقت بمرض اسميته (مرض الفراغ)، متلازمة اسرجر وهي نوع من انواع التوحد ، كان بامكاني التعلم لمدة ١٢ عام دون تكوين اي صداقات ، فقد كانو اصدقائي هم القلم و جميع الاوراق المنثرة في هذه الغرفة وجميع الدفاتر التي تملىء الرفوف والأدراج.
صعد اسم ملاك في مواقع التواصل الاجتماعِي ككاتِبة تحكي معاناة اشخاص اخرين ، فترسل لها جميع القصص على البريد الالكتروني لتحوِلها لنصوص وروايات ، ثلاثة أعوام كانت كافية لان يصل عدد متابعيني لمليون ونصِف ، دون لا احد يعلم من هي ملاك ؟ وكيف تكون ؟
مئات الصحف والقنوات الفضائية طلبت مقابلتي وكان ردي الدائم لهم ( لا) ، وهذا ما جعل صيتُ نصوص اخطها فِي كل مرة يزداد يومًا بعد يوم ، وبالنسبة لـ امي فقد كانت من اولى المشجعين لي بأن اصعد على مسرح المجد والشُهرة ، ليعلم الجميع من ملاك.
١٤٣٨/٥/٢٣ هـ، هو اليوم الذي فقدت فيه جزءًا من روحي، فقدتُ الروح التي كانت تمسحُ دموعًا اذرفها عندما اشعر بالوحِدة، تنام بجانِبي وتمسح على جبيني في كل ليلة، تغني لي بصوتِها الشجي لتطمئن قلبي ، كتبت في تلك الليلة.
"أمي ..
ها هنا اصارع وحدتي بمفردي .
امي .. اعذريني فأنا لم افتح الباب لمن اتى للتعزية ..
امي .. اني في هذه اللحظة افتقدك وخائفة من نسيم الهواء ، هل بحضِنك ؟".
منذ وفاتها توقفت عن الكِتابة لأشهُر، شهور تمضي وليس لدي شيء أعمله سوى النوم والاستيقاظ لتأمل صور أمي فوق سريرهُا.
فكرتُ كثيرًا في الانتحار ، ولكنني تذكرت أول مرة حاولت فيها ذلِك عندما وقفت اعلى شُرفتِي واحتضنتني امي حينها وهي تبكي وتقول " لا اريد رب العِباد يومًا يعذبني بسبب موتِك بهذه الطريقة ، قتلُكِ لنفِسك ذنب عظيم فهي روح مِلكٌ لله ، ولا يحق لأي بشر كان قتلها ، إلا بما شرع الله ذلك".
تلك الحروفٌ التي نطقتها ترن في مسامعي ، وتجعلني اتراجع مئة خطوة للخلف.
اصابني ألم في رأسي شديد ، اخذت ابحث عن دواء مُسكن بين ادراج غرفتها وغرفتي ، ولم اجد، كل ما اكتشفته هو ان عقاقير علاجِي لم يتبقى منها سوى القليل ، وانا لا اعلم من اين اجلب المال لاشتريها.
اتصلتُ على طبيبي ( عُمر) ، واخبرته عن الالم ، فطلب مني القدوم لعيادتِه.
شعرت حينها كأنه يطلب مني المرور على ارضية تملؤها قطع من الزجاج ، فأنا لم ارى بشريٌ قط منذ اشهُر .
ولكن الألم الشديد اجبرني على ذلِك، اخذت اتجهز للخروج ، ووجدتُ بعضًا من المال الذي يمكنني به استقل سيارة توصلني للعيادة، وعند وصولي وبمجرد خروجي من السيارة ، سقطتُ مغشيةً عليّ ، ولم اعد اعي لشيء في تلك اللحظة، استيقظت على سرير في عيادة الطبيب ، وهو يخبرني بانني بخير الآن.
وعند سؤاله لي عن موضع الألم بدت ملامحه باظهار الخوف والتعجب، وسألني في وقتها هل انتظم في تناول الأدوية أم لا ؟
وعندما أجبته بأنني لم اتناول شيء منها منذ وفاة والدتي.
غضب وقال لي " عدم تناولكِ للادوية لن يعيد لكِ والدتِك ، وبقائِك بهذه الحالة قد يؤدي لأمراض نفسية واخرى عضوية ، اهمالِك لنفسك قد يفقدِك حياتِك "، دمعت عيناي عندما قال " لن يعيد لكِ والدتِك" ، فقد بدت الحياة موحشة ومليئة بالناس القاسية التي تقول جُملًا لا تعي معناها ، سرعان ما اعتذر لي الطبيب من طريقة كلامه ، وطلب من الممرضة في ذلك الوقت اخذ عينة مني لتحليلها، لمعرفة سبب الألم .
يتبع...