كان شابًا مُحترمًا، محبوبًا بين أقرانه ووسط الحي الذي يسكنه وبين زملائه ومن اختلطوا به على المستوى الرياضي أو العلمي وكذلك العملي.
التحق بالمدرسة وهو متقدم بعض الشيء في العُمر وبالكاد وصل للصف السادس الابتدائي وأتذكر تمامًا بأنه هو ومجموعته في الصف السادس آنذاك قطعوا عهدًا لمدير ووكيل المدرسة بأنهم سيتجهون للقطاعات العسكرية والبحث عن وظائف أخرى ولن يدرسوا المرحلة المتوسطة لأنهم يعرفون قدراتهم جيدًا وعلى هذا العهد اتفق المعلمون مع المدير على مساعدتهم في النجاح.
وبالفعل اتجه بطل قصتنا للقطاع العسكري بعد أن عمل على دراجة نارية "دباب" كفرين فترة ليست بالقصيرة لكي يساعد والده وأهله وكان أيامها لاعب كرة قدم في الحواري وكتب الله له بأن يصبح أحد رجال الأمن في قطاع عسكري شمال المملكة ثم استقر في حفر الباطن ونجح في عمله ومع زملائه كثيرًا وذلك لدماثة خُلقه وخلال سنوات لم تصل للعشر تقريبًا استطاع هذا الشاب أن ينجح في تكوين حياة جديدة وإسعاد أسرته وتغيير منزلهم وأسلوب حياتهم وذلك تمهيدًا لإكمال نصف دينه بالبحث عن زوجة سعيًا للاستقرار وتحقيقًا لرغبة والديه فقد كانت والدته شديدة التعلق به وتسعد كثيرًا بإجازته وتُكرم ضيافته وضيافة من يزوره أو يرافقه من الأصدقاء والزملاء على حدٍ سواء.
ظل على مدى تلك السنوات في هذا الحال فهو لا يتواجد مع أهله إلا في إجازة سنوية واحدة تمتد لشهر أو شهر ونصف.. حتى حدث أمر غير متوقع في إحدى هذه الإجازات وذلك عندما وصل لقضاء إجازته وبعد أيام معدودة اشتكى من ألمٍ في أحدِ ضروسه ولم يستطع خلعه سريعًا واستمر لأيام حتى تمكن الطبيب من خلعه بعد زوال الالتهاب ولكنه عاد لبيتهم العامر فاشتد عليه الألم ولم يتوقف نزيف اللثَّة فاتجه للمستشفى على غير رغبة ولكن؛ نزولًا عند رغبة الأصدقاء من حوله فتفاجأ الجميع بأن تحليل الدم يُنذر بكارثة فنسبة الهيموقلوبين نازلة جدًا ويستوجب الوضع تنويمه ثم اكتشف الأطباء بأن صفائح الدم تتكسر ولا فائدة من تزويده بأكياس الدم فتم تحويله مباشرةً إلى مستشفى الملك فهد وهناك خلال أقل من أربعٍ وعشرين ساعة أُدخل العناية المركزة ولكنّ عناية الله تولته وانتقل إلى رحمة الله قبل أن نتمكن وقتها من زيارته في الليلة التالية على الرغم من مغادرتنا المستشفى في الليلة الماضية قبل دخوله العناية المركزة وهو يودعنا بحرارة في انتظار المتبرعين بالدم في اليوم التالي.
لقد كانت وفاته فاجعة قوية اهتزت لها أركان الحي والأحياء المجاورة لأن مرضه وتنويمه وتحويله وموته كان خلال أيام معدودة منذ وصوله لقضاء إجازته السنوية المعتادة.
عاش " غريب" حياة مختلفة وكان حوله العديد من الأصدقاء الذين يستمتعون بقضاء أجمل الأوقات برفقته وكم من الرحلات والجلسات الممتعة عاشها الرفاق بصحبته واستمرت ذكرياتها حتى وقتنا الحاضر فالكل يتذكره وبالخير يذكره اختلفت أعمارهم عن عمره واتفقت قلوبهم على حُبه... مات "غريب " وترك سيرةً خالصة وأثرًا طيبًا لم ولن ينساه أقرانه ويسعدني ويشرفني بأن أكون أحدهم.
رحمك الله يا صديقنا الغالي ورحم الله جميع موتانا وموتى المسلمين جميعًا، تاريخ وفاة غريب رحمه الله (١٤١٨ هـ)