في سورة النور آيات كريمات تقشعر لها الأبدان والبشر ، وترنو لها القلوب والأفئدة، عالية البيان، بديعة البناء، رائعة اللفظ والمعنى، تلمس شغاف قلبي كلما قرأتها، لا أحفظ سورة النور لكني أحفظ هذه الآيات حبا وتعلقا ،تبدأ بتقرير أن الله نور السموات والأرض، فنوره يضيئهما وهو الهادي الذي يسير نظامهما وقال ابن مسعود:" إن ربكم ليس عنده ليل أو نهار، نور العرش من نور وجهه"، ثم تستطرد الآية الكريمة في توصيف النور وضرب الأمثلة له، قيل في بعض التفاسير: "إن مثل نوره قصد بها نور قلب المؤمن، وقيل إنه نور الله في قلب المؤمن، نور القرآن والإيمان".
والنور هنا حسي ومعنوي، فهو نور يضاء به كل شيء، العرش، والكرسي، و الشمس، والقمر والكون، واستنارت به الجنة.
ومعنوي بمعنى: أن شرعه ومنهاجه وكتبه والإيمان به كل ذلك نور، فلولا نوره لتراكمت الظلمات.
المشكاة هي النافذة الصغيرة التي يوضع فيها المصباح في جدار البيت، وقيل هو الكوة التي توضع في البيت وتجمع نور المصباح حتى لايتفرق، والمصباح داخل زجاجة درية من ضيائها وصفائها فهو مضيء كالدر، ويوقد الفتيل بزيت الزيتون الذي ناره هو أنور مايكون من شجرة مباركة لاشرقية تشرق عليها الشمس آخر النهار، ولا غربية تشرق عليها الشمس أول النهار، بل متوسطة في الأرض كزيتون الشام تصيبها الشمس طوال اليوم فتطيب ويحسن زيتها، يكاد من حسنه أن يضيء حتى بدون نار، فإذا مسته النار أضاء إضاءة بليغة.
نور على نور : نور النار و نور الزيت ومثلهما في قلب المؤمن كنور القرآن ونور الإيمان مجتمعان، وقيل إن ذلك توصيف لسيدنا محمد، وقيل بل لتوصيف الإيمان في قلب المؤمن، يهدي الله لذلك النور من يصطفي ويضرب الأمثال للناس، ليصل المعنى لإدراكهم، والله أعلم من يستحق الهداية ومن يستحق الإضلال من العباد.
في حديث لأبي سعيد الخدري عن رسول الله تقرير بأن القلوب أربعة :قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن: سراجه فيه نوره.
والقلب الأغلف: قلب الكافر، والقلب المنكوس: قلب المنافق عرف ثم أنكر، والقلب المتصفح: قلب فيه إيمان ونفاق نعوذ بالله من ذلك.
ثم تتوالى الآيات إلى أن تصل لتوصيف أعمال الكافرين فشبهها الله كأنها سراب يظهر للمشرف على الهلاك ويموت شوقا لقطرة ماء، فيظنه ماء زلالا في وضوح الشمس، في منطقة منبسطة من الأرض ثم إذا اقترب منه يجده سرابا، ويجد الله يوفيه حسابه يوم القيامة فيذهب كل ما عمل هباء منثورا.
وتكمل الآية التي تليها التوصيف البديع لأعمال الكافر المغرور فتشبه كونها على ضلالة وحيرة، وفساد وخطأ بالبحر العميق الكثير الماء، فيه موج وفوقه أمواج أخرى، وفوق الموج الآخر الذي يغشى الأول سحاب، ظلمات متراكمة، مشهد مهيب في ليل لاقمر فيه، و الأمواج تتلاطم والظلام يغلف الكون، فكذلك قلب الكافر كالبحر العميق يغشاه الضلال والحيرة مهما عمل وأنجز، شر بعضه فوق بعض، حتى أن هذا المسكين في تلك الظلمات والبحر المتلاطم إذا أخرج يده لايستطيع رؤيتها نسأل الله اللطف، فالله هو من يمنح النور والهدى، وهو من يحرم من لايستحقهما.
فاعمل على طهارة قلبك وسلامة نيتك، وصحة غايتك قبل أداء عملك،
واسأل الله الهدى والرشاد.
نسأل الله نورا يضيء قلوبنا، وهدى يملأ صدورنا حتى تصبح قلوبنا بحورا مشرقة تحت سماء صافية من رضاه، ووهج شمس لاتغيب من إيمان وحب للقرآن .