في أواخر العقد الأول بعد الألف وأربعمائه للهجرة عزم والدي رحمة الله عليه في هذا اليوم المبارك، على إلحاقي بالمدرسة النظامية الابتدائية بقائم الدش، وبعد انتهاء إجراءات التسجيل لمحت منه إصرارًا عجيبًا على أن يسند تدريسي لمعلمٍ بذاته عرفت ذلك من خلال حديثه مع والدتي في البيت وأثناء كلامه مع مدير المدرسة آنذاك الأستاذ القدير أحمد بن علي ترابي حفظه الله وأسعده، وكان مبرر والدي أن هذا الأستاذ مملوء بالرحمة والحزم، والجدية والعطاء، كغيره من المعلمين الذين يتنافس الآباء على تسليم فلذات أكبادهم بين أيديهم ليصنعوا منهم رجالًا وقرة عين، كان هذا الأستاذ هو السيد الوالد إبراهيم بن حسن النعمي أمد الله في عمره وبارك في صحته وعمله، وبالفعل كان لوالدي ما أراد وكان للتلميذ من هذه المفاوضات سحائب الحظ، وثمار البركة، فقد حظي بأب في المدرسة في بذله وحلمه وصبره وعطائه، فأسسنا في المرحلة لابتدائية خير تأسيس، وأنبتنا على رابية من أخصب الروابي في اللغة والقراءة والاستماع وحب العلم وهذه أعظم الغايات التي ينبغي للمعلم أن يغرسها في نفوس طلاب الصف الأول، واستمرت رحلة هذا المربي الفاضل في الشرف يتسابق الآباء على أن يكون أولادهم في محضنه التربوي الأبوي النبيل، واستمر أبوفيصل معلمًا للصف الأول عقد أو عقدين من الزمان، ولأنني الأكبر في إخوتي فقد كان نجاحه في بناء طالب يحصد الدرجات المتازة، ويقرأ بلسان مستقيم، رافدًا قويًا للوالد رحمه الله على أن يكون لكل إخوتي ذات الفرصة في الحظ من التعليم الجاد والحاني، فأخذ إخوتي جلهم ذات المكان، وحظوا بذات الشرف أن يكون أستاذهم هذ السيد الجليل والمربي النبيل، ولم يكن لطف أبي فيصل فقط في أنه يعمل معلما بل كان واصلًا للوالد كأخ، شهمًا مع كل أبناء القرية في مواقف لا يتسع المكان لسردها، لكنها مثبتة عند الكريم الرحمن، واليوم يذكرني الفيسبوك بذكرى انضمام هذا الوالد - الأحب إلى قلبي - إلى قائمة الأصدقاء هنا، لنتشاطر ذات الحرف الذي كنا نتعلمه منه ذات يوم على الطاولات الخشبية، ليصنع في نفسي ذكريات كثيرة، لن تمحى، ولايجازي الوالد والمعلم حق الجزاء الكريم إلا واسع الكرم ومالك الملك ..
حفظ الله الأستاذ إبراهيم بن حسن النعمي، وبلغنا رد الجميل له ولو بكلمة طيبة، وأدام الله هذا الوصل والحب والوفاء لكل من يستحق الوفاء بمواقفه الطيبة، ونفسه النقية، وسيرته الشذية.