في بداية صباح يوم دراسي و في أحد المدارس التي كنت أدرس فيها في المرحلة الإبتدائية، سألنا المعلم في نهاية الدرس سؤال معتاد "ماذا سوف تصبح عندما تكبر" وبدأ يأخذ الأجابات بترتيب المقاعد، وفي أثناء ترقبي ليحل دوري في الإجابة كنت أفكر بماذا أجيب.. هل أجيب بـ لا أعلم؟ .. أم أحكي عن شغفي بالإعلام وعندها سأتعرض للتنمر والضحك من الطلاب و أثناء تفكيري بحيرة بدأت بسماع أجوبة الطلاب فأغلبهم أجابو بالأجوبة المعتادة ( طبيب، مهندس، طيار، عسكري) و أتى الدور على أحد الطلاب وكانت إجابته (موظف بأرامكو) فـ بدئت بالتساءل في نفسي .. لماذا؟! فكان المعلم أسرع مني بديهتا وسأله (لماذا؟) هنا بدأت أتوقع أجابة الطالب .. هل لأنها شركة داعمة هل لأنها شركة بنفس المجال الذي يحبه فـ كانت إجابته (لأن موظفيها يتقاضون رواتب عالية) هذه الإجابة التي لم أستطع نسيانها كيف أن طفل في المرحلة الإبتدائية يهتم بالجانب المادي وكيف وصل لهذه المعلومة وكيف تبناها في سلوكه ويقتدي بها في قناعاته..
هل نختار الفكر الذي نريد أم نحدد نوعه فقط ..؟ هذا السؤال يتداخل مع البناء الاجتماعي والثقافة بشكل معقد، فاختيار الفكر الذي نريد هو جزء من عملية تاريخية ولكنها تظل ولادة جديدة لنوع موجود أصلاً فالحضارة العالمية تتطور عن نماذج سابقة لها.
ولادة الفكر ليست سهلة يمكن تحقيقها عبر عملية ميسرة، وهي تشبه ولادة الإنسان، فعندما يولد الإنسان فهذا يعني أن عقلا جديدا ينزل إلى هذه الأرض ملتصقا بذلك الجسد البيولوجي حيث تنشأ علاقات بينهما يحددها المجتمع بجميع قيمه وثقافاته.