خلق الله الأشياء في حياتنا ضمن موازين وقياسات فالزيادة أو النقصان تسبب المشاكل هكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل والطيبة هي من الصفات والأخلاق الحميدة التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة وحُبّ الآخرين والبعد عن إضمار الشر أو الأحقاد والخبث كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية وأكثرها شفافية كالتسامح والإخلاص كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان وحسن خلقه فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول وعندما تبغضهم ايضا في حدود المعقول دون مبالغة في كلا الأمرين ..
هناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك هذه الشعرة هي (منطق العقل) و الإنسان الذي يتحكم بعاطفته ويحكّم عقله دليلاً على طيبه عكس الطيب الأحمق الذي لا يفكر بعاقبة نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي و يمنح ثقة ويحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل لصاحب القلب الطيب فالطيبة لا تلغي دور العقل إنما العكس هو الصحيح فهي تحكم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل ..
فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص وقد أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة من باب حسن الظن بالآخرين واعتقاده أن الناس مثله لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة ما دفعهم إلى استغلاله وخداعه فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها لأنه ميزان يزن الأشياء فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات ..
المشكلة تقع عند الإنسان الطيب يرى أن الناس كلهم طيبون ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته تُغلق الدنيا في وجهه فيبدأ يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه وأن الخير انعدم وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل ..
في الحقيقة أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً وليس من العيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق..