خُلق البشر أطيافا وأجناسا، وفي هذا التنوع تأكيد لسنة الاختلاف والتغاير في الكون، زخم في الأشكال والألوان والأعراق والعقول والمخبر والمظهر والمال وجميع مناحي الحياة.
والتغاير والتمايز يحقق إتاحة الأعمال والتسخير، وخلقنا الوهاب لنتعارف ونتكامل ووضع المعيار ناصبا إياه ناقوسا لينبه كل غافل فأكد على أن الكرامة والعلو مؤشرهما التقوى لا الدم ولا العرق ولا المال ولا القبيلة ولا العائلة.
والإنسان بطبعه يحب الفخر والتقدير لاغرو في ذلك فقد خٌلق مكرما، لكن الخطر يظهر حين يطغى ويضع نفسه فوق معايير الكمال المنطقية فيؤذي غيره بحجة السلالة الصافية أو الدم الأزرق أو سطوة من مال وقوة.
وهنا يظهر المرض النفسي وجنون العظمة، ولا عيب أن يفخر المرء بنسبه وعزوته وكمال صيتهم أو بنفسه وعلمه وإنجازاته فهذا طبيعي، على ألا يخول له ذلك التسفيه بغيره أو التقليل من شأنه لفظا أو تصرفا أو حتى بهمز ولمز فكل ذلك نعم والنعم قابلة للزوال كما جاءت تذهب، وما قد يزول يحفظه الحصيف بالشكر والحمد والتواضع لجنب الله .
كم هو جميل سنّ العقوبات لقاذف مصطلحات التعالي والعنصرية،
لكن الأهم أن تنظف منها القلوب والجوارح أيضا لا الألسنة فحسب وهنا تتجلى مسؤولية كل فرد.
ولايقتصر الأمر علي معاملة الأجانب،
بل المشكلة أن نجد تعاليا بين أطراف من المواطنين في النسيج الاجتماعي على بعضهم البعض كون انحدار أحدهم من أعراق أخرى أو ما بين قبلي وحضري، وهذا يعيق السلام المجتمعي ويورث ضغائن وحواجز وهمية عالية الأسوار في حين يفترض التجانس والتعايش السلمي حتى يتم النماء وتعمير هذا الوطن الجميل بشكل مرن وسليم، وليستمر الأمن والشعور بالحبور الذي وهبنا الله إياه نعمة كبيرة على هذه الأرض الطيبة.
التربية تلعب دورا مهما في تشكيل وجدان سوي يحترم ذاته والآخرين بعيدا عن الصفة التي أخرجت إبليس وطردته ليبدأ العداء الأزلي على الأرض، من يربي إبنه بعبارات تنضح بالتفاخر الممجوج ينتج نماذج تهين الناس ولاتراعيهم، بينما المصدر واحد فالحكاية قبضة من طين وذرأ الله منها كل الخلق ونفخة من روح الله تعطيه الحياة ثم تناسل البشر وتعالوا بغبائهم بمقاييس الدنيا وزينتها وقد تقام الحروب الطاحنة بسبب المعايير السخيفة ولإرضاء انتفاخ الأوداج كبرا .
بل إن المضحك المبكي أن يتفاخر الخاوي المفلس وبضاعته مزجاة، يدعوه شعوره بالنقص أن يروج لعقده ويريد من الناس قسرا أن يولوه عزا نصبه لنفسه فخا .
لم أر يوما ميزة لبني آدم ليتعالوا بل كلهم عندي سواسية وأنا من هذا السواد.
من الجميل أن يوضع الناس في منازلهم فالعباس أشار على الرسول الكريم أن يخص أبا سفيان بشأن بعد إسلامه كونه هو من هو في العز والمهابة وقد حصل فجعل من دخل داره يوم الفتح فهو آمن، ومن البؤس أن يعطى الإنسان فوق قدره فيصدق الكذبة ويفجُر.
في منظور الدين المعيار هو التقوى، وأكرم به من معيار يقيس مدى تحقيق العبودية لله وهي الغرض من وجودنا.
وبمقاييس إضافية تنحدر من هذا المعيار، يعلو المرء بعلمه وعمله وطيب خلقه .