الكتابة لا تتوقف عن القات وارتباط المجتمع في جازان المنطقة به.. فقد أصبح الشغل الشاغل للذكر والأنثى بين مبتلي ومبتلى.
مآسي لا تتوقف، حوادث مؤلمة، قصص مؤثرة، أزمات متواصلة، تفككات أُسرية، تشريد وضياع أبناء، نزاعات مالية، قضايا وسجون.
مكابرون أولئك الذين يتصدون لمن يناصح الناس والمجتمع لتوعيتهم بأضرار " القات" بل ويجزمون أنه لا يُذهب العقل ولا يؤثر في الأجساد ويذهبون لتقنين استنزاف الجيوب من المال بعقلانية متعاطيه!!!!
الابتلاء بتعاطي " القات" والمآسي التي يتسبب فيها والمتنطعون المقتنعون باستبعاد ضرره كلها محاور ومحطات سوف أتوقف عندها في كل مرة أكتب عن هذا الداء العضال ولكن؛ هنا سوف أحكي بعض قصص العائدين من غياهب هذه الآفة.
" القات" يستنزف الأموال ويُضيع الأوقات ويسوِّف المهمات وبالتالي تتعدد السلبيات في اتجاهاتٍ ثلاث.. فالمال عصب الحياة واستنزافه في غير عوائد هلاك والوقت إن ضاع وفات فلا تعويض عنه مهما طال عمرك وتسويف وتأجيل الأعمال المهمة والضرورية منتهى الضياع ويؤدي لفقدان أشياء وهذا هو حال المدمن على تعاطي " القات" لساعاتٍ وساعات ولكم أن تتخيلوا كيف لمتعاطي ومستخدم شغوف بهذه الآفة مدى سنوات ثم يوفقه الله ويعود من بعيد ويترك تعاطيها وبالتالي يتمكن تلقائيًا من توفير الأموال واستغلال الأوقات وأداء أعماله دون تأجيل وبكل إتقان.
أحد العائدين من غياهب تعاطي " القات " يقول :
قضيت قرابة خمسة وعشرين عامًا في تعاطي آفة القات قبل الوظيفة والزواج وخلالهما وأمضيت قرابة ثلاثة عقود في ضياعٍ حقيقي شقة في منزل والدي ولا منزل لي وشبه غياب عن زوجتي وأولادي ومجتمعي لا أعرف سوى " المتكى" بشكل يومي دون انقطاع مع جلسة القات وملحقاتها كانت حياتي رتيبة مملة وأنا لا أكترث ولا أشعر بمعاناة أسرتي حتى وفقني الله لترك " القات" بكل قناعة وعزيمة وإرادة ورباطة جأش وبفضل الله تمكنت في خمس سنوات من شراء أرض وبناء منزل والأجمل من ذلك وجدت أسرتي وشعرت بهم وتداركت مافات وندمت أشد الندم على تلك السنين الغابرة من حياتي الماضية وأصبحت أشعر بسعادة غامرة لكل ماتحقق لي بعد الابتعاد عن هذا الداء.
وعائد آخر يحكي قصته مع " القات" بطريقة عجيبة فقد بدأ تعاطي هذه النبتة على سبيل النفس والتسلية وتضييع الوقت كما يقول وبعد فترة وجد نفسه مدمنًا للشيشة وممارسًا للتدخين غارقًا في براثنها لا يبرح إدمانها واستمر به الحال موظفًا ومتزوجًا حتى أرهقه عناء البناء ومصاريف الأسرة مقابل إدمان القات فيقول حدثت مأساة أسرية في حياتي تسببت في عزوفي عن القات وتوبتي منه توبةً حقيقية وكرهت العودة لاستعماله كما يكره المسلم العودة للكفر بعد أن أنقده الله منه... تخيلوا قوة التمثيل حين يصف التوبة عن تعاطي القات بمن يسلم بعد الكفر ويكره أن يعود كافرًا فلا حول ولا قوة إلا بالله ويواصل سرد حكايته بأن هجره للقات بشكلٍ نهائي ساهم في تحويله لشخص آخر واختلفت حياته كثيرًا حيث أكمل بناء منزله وانتظمت أوقاته وتغيرت حتى ملامحه وتقاسيم وجهه وعاد لواجهة المجتمع الرياضي الذي حال بينه وبين من فيه " القات".
هذان نموذجان للعائدين من غياهب القات وفي مجتمعاتنا العديد أمثالهم وسوف نقدمهم تِباعًا ليكونوا نماذج وقدوات لغيرهم ممن يرزحون تحت وطأة إدمان هذه الآفة سائلين المولى عز وجل أن يتوب عليهم من تعاطيه.