ما أجمل أن يهتم المرء باللغة العربية، وأن يعيش معها ولها، ويسعى لتكوين الملكة اللغوية، وقد عرفها البعض بأنها: سجية راسخة في النفس، تمكِّن صاحبها من قوة الفهم لدقائق الكلام العربي الفصيح، وحسن التعبير عن المعاني المختلفة بلسان عربي سالم من أوضار العجمة ومفاسد اللحن، مع القدرة على الجمع والتفريق، والتصحيح والإعلال، ونحو ذلك.
ليست اللغةُ ظاهرة ثقافية وعلمية فحسْبُ، ولكنها ظاهرة ٌحضارية، سياسية، اجتماعية، تَقوى بقوة أهلها، وتتراجع بضعفهم وانحدارهم.
اللغة ووسائل الإعلام:
تواجه اللغة العربية الفصيحة اليومَ تحدياتٍ خطيرةً، توشك أن تَعصِفَ بها، وهي محتاجة إلى وسائلَ كثيرة تعينُها على الصمود في مواجهة التحديات، وقد كان الأمل معقودًا على وسائل الإعلام المختلفة؛ لكي تؤدي بعضًا من هذا الدور أو معظمه؛ فأجهزة الإعلام - من تلفاز، وإذاعة، وفضائيات، وصحافة وغيرها من وسائل الثقافة والتثقيف الهامة - باستطاعتها أن تضطلع بدور لا يماثِلُه دور في خدمة اللغة العربية الفصيحة، ونشرها بين الناس، وتحبيبها إليهم، وفي الانتصاف لها - بعض انتصاف - من طغيان العاميَّات، وانسرابها إلى كلِّ نشاط من أنشطة حياتنا العربية؛ فقد دخلتْ هذه الأجهزةُ كلَّ بيت، وسكن إغواؤها وإغراؤها جميعَ النفوس والأفئدة
فاللغة ملكة كغيرها من الملكات الصناعية, تكتسب بالدربة والتكرار ويعتبر ابن خلدون من المفكرين العرب الذين اهتموا بالملكة اللسانية اهتماماً كبيراً .
و أبو حيان التوحيدي يربط فكرة الملكة اللسانية بغريزة أهل اللغة, التي تحوي بناءً وترتيبها يستند إليهما الانسان في ممارسته للكلام .
وينطلق سعي ابن وهب من تعبيره عن الملكة اللسانية بالعادة والسجية ,فهذا ما يخلق قدرة على ممارسة الكلام تلقائياً, لأن الوعي بأبنية اللغة وقوانينها قد اختفى بترسيخ ملكة اللسان ".
- الملكة بين المفقود والموجود :
هناك طريقان لاكتساب الملكة لا ثالث لهما وهما :
الانغماس اللغوي في بيئة لغوية صالحة أو الحفظ أو المران وكثرة معاشرة كلام الفصحاء من خلال كتبهم , والطريق الأول في عصرنا مفقود, والثاني موجود:
فكان ضمن مهام القائمين على التربية والتعليم , والسعي إلى تمكين الممكن الموجود وعدم تضييع الوقت بحثاً عن ولكن الواقع يسير في الاتجاه المعكوس .
- يفرق ابن خلدون بين الملكة والكلام ( الأداء ) . فقد قال أن الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى ملكة اللسان .
- إذا حاول العبارة عن مقصوده ولم يحسن ؛ بمثابة المقعد الذي يروم النهوض ولا يستطيعه لفقدان القدرة عليه , فالملكة هي التي تقود عملية الأداء هذه.
- ويقول ابن خلدون عن وجود استعداد ذاتي فطري , تعتمد على الملكات الصناعية التي تسبق التكرار .
- وأن التراث اللغوي العربي أثبت أسبقيته على الفكر اللغوي الغربي في بعض مجالات اللسانيات .
ومن إيجابيات الإعلام :
إن اللغة العربية المستعملة في بعض وسائل الإعلام هي لغة فصيحة، سهلة التناول، قريبة من أفهام عامة الناس، وهي لغة مقبولة على ما قد يشوبها أحيانًا من بعض الأخطاء اللُّغوية، أو الأسلوبية، أو النحْوية، ولكنها أخطاء يمكن تجاوزها، والارتقاء بلغة الإعلام، ولا سيما إذا ازداد الوعي اللُّغوي، ونما الإحساس بأهمية العربية، والحرص على ألا تزاحمَها العاميَّات في هذه الأجهزة التثقيفية الهامة.
إن الإعلام - بما يملك من إمكانات التواصل المذهلة، وبسبب تأثيره البالغ في المتلقين - يمكن أن يكون من أنجع وسائل الازدهار اللُّغوي، وتقريب المسافة بين المواطن العربي ولغته القومية، وإنه لقادرٌ على خدمة اللغة العربية خدمةً لا حدود لها، ولا سيما في عصر ثقافة الاستماع، ثقافة الصورة المصاحبة بالكلمة المنطوقة، واستعلائها على الكلمة المقروءة.
التعليقات 1
1 pings
محبوب سيد
14/09/2022 في 1:32 م[3] رابط التعليق
فتح الله عليك ونفع بك الإسلام والمسلمين
(0)
(0)