الجميع يتكلم وينشر عن خيبات الأمل والفَقد والخُذلان ويبدع في التعبير عنْها وعن آلامِها وما تخلِّفه في أنفُسِهم فأين أولئك الذّين يعيشون حياتهم بسلام وسعادة فقلت في نفسي وهذا شيئ ثابت أن كل فرد في هذه الحياة قد جرّب الفقد باختلافاته وعاش الخيبات بكل أنواعها ودرجاتها والفقد وخيبة الأمل من أهّم الدروس التي تُعلّمنا الكثير في هذه الحياة ومن أصعب الممّرات ألتي نتجاوزها والتي ما إن عبرناها إلاّ وقد أكتسبنا أشياء وفقدنا أشياء أخرى فنصبح مختلفين على ما كنّا عليه قبل وكأنّها قفزة صعبة يجب علينا القيّام بها في حياتنا وهذاما يجعل ذكراها تطول في ذاكرتنا وتصْحبُنا لفترة معيّنة من حياتنا ولكي نقرّر لكلّ شيء في مراحل حياتنا ننسحب من أشياء كثيرة أو نقف في منتصف الطريق وخيبة الامل والفقد وجهان لعملة واحدة ولكنّهما مختلفان في طبيعة ألمشاعر التي تستعمرنا وأنه أمر لا مفر منه وقد نكون طرفا مباشرا هذا إن لم نكن سببا فيها ولنا يد في ذلك وأثرها يطول في النفس والانفعالات مختلفة ونُظهِر حُزننا ونبكي ونصبر ونحتسب ونلتجأ إلى الله سبحانه وتعالي ..
في الفقد يجتاحنا شعور بالرضى وتتألم نفس ونتعايش مع حزننا ونؤمن أن الابتلاء حق وأنّه لا عودة لمن رحل عنّا فلا نملك له إلا الدّعاء فلا شوق ولا حنين يُرجعهم إلينا ولا عابر يٌطمْئِننا عليهم في الفقد قبول واستسلام بأن أمر الله سبحانه وتعالى كلُّه خير وهو الشعور الحقيقي لأصل الحياة أمر لا بد منه لأجل هذا فإننا بعد الفقد نسترجع ذواتنا وربما نكون أقوى مما كنّا عليه وقد يكون نقطة أنطلاق لنا للأفضل في الفقد نسمح للآخرين بمشاركتنا حزننا ولا يهمّنا إنْ رأونا ضعفاء في الفقد طهارة للروح يقتل فينا أشياء ولكنّه يزرع أمور كثيرة أخرى في الخيبات نبكي بصمت نبكي في دواخلنا ونحاول أن نخفي حزننا عن لآخرين وانكسارنا ويكون الفقد أشد إيلاما ولكنَّ خيبات الأمل أصعب شعور يمكن أن يُعايشه الفرد موجعة تتعدّى أرواحنا إلى الأمد الذي يجعلها تَحِلّ في أبسط تفاصيل حياتنا تبعث فينا ألماً غريباً وتجتاحنا مشاعر كثيرة مختلطة فتتركنا مذَبذَبين ونحاول أن نتسلّح بالصبر ونتوكّل على الله سبحانه ونرضى بأقداره وأن كلّ شيء بيَدِه سُبحانه وأنّه فصل من حياتنا كُتِب علينا أن نَعيشَه ..
في الخيبات نعيش صراعات عديدة أهمّها صراعَنا مع ذاكرتنا نريد أن ننسى فلا ننسى نفقد قدرتنا على معايشة أيّ أحداث أخرى وكأنّنا أكتفينا من كل شيء في هذه الحياة تتغيّر معاني كثيرة فينا فتصبح السعادة والمثالية مجرّد أوهام أو أنّنا لا نستحق الفرح فنجعل للخيبة وطناً بداخلنا وتُهتَلك قلوبنا من تكدّس طعنات الزمن وتظهر على ملامحنا ويَلفِت انتِباهَنا لبعض الأشياء والتفاصيل التي كنّا نَغفَل عنها أهملناها وتجاهلناها هنا ترسّخ فينا مبادئ الحياة العميقة ودورها وعظمتها وضرورتها تعلّمنا قوة الاحتمال واتقان الصبر واحتراف الأنتظار ونفهم معنى الرجوع إلى الله ونستشعره نمارس الرضى بالمعنى الحقيقي وعلينا ان نتقبّل أمورا كنا لا نستسيغها ونُعيد ضبط وصياغة الأمور في مشاعرنا وتعابيرنا ومعاني الحياة المختلفة والأكيد أنّها مرّت كما شاء الخالق كما أن التفكير الزائد فيها مَفسدة لحياتنا ونعيش متحسّرين على أيّام مَضَت ولن تعود وما هي لا دروس تعلّمْنا منها وما يجب أن نتعلّمه فلا تعطي الأشياء أكبر من حجمها وتوقّف عن كونَك مخذولاً فالشجعان هم من يخوضون معارك الحياة ندعس عليها بأقصى نضج نملكه ونضحك على خيباتنا بل ونخيّب ظن من خذلونا فلا شيء أقوى من قلوب تجرّعت مرارة الخيبات لأنّها تعلّقت بربّها فطوبى لها..