يجتهد اللص في نيل سرقته والفرار سريعا قبل أن يفتضح أمره، ولا يترك فرصة للأخذ والرد وضياع الوقت كي ينجو سريعا بفعلته، ولكن صاحبنا كان متمهلا، بل وأكثر من ذلك:
قال أحدهم: خرجت إلى حائطي خارج البلدة فلما بعدت عن البيوت تعرض لي رجل فقال: اخلع ثيابك.
فقلت: وما يدعوني إلى خلع ثيابي...؟
قال: أنا أولى بها منك.
قلت: ومن أين...؟
قال: لأني أخوك وأنا عريان وأنت مكسي.
قلت: فالمواساة...؟
قال: كلا؛ قد لبستها برهة، وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها.
قلت: فتعرّيني وتبدي عورتي...؟
قال: لا بأس بذلك؛ فقد روينا عن مالك أنه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عرياناً.
قلت: فيلقاني الناس فيرون عورتي.
قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضت لك فيها.
فقلت: أراك ظريفاً فدعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب ثم أوجه بها إليك.
قال: كلا أردت أن توجه إلى أربعة من عبيدك، فيحملوني إلى السلطان فيمزق جلدي.
قلت: أحلف لك أيماناً أن أوفي لك بما وعدتك ولا أسوءك.
قال: كلا؛ إنا روينا عن مالك أنه قال: لا تلتزم الأيمان التي يحلف بها للصوص.
قلت: فأحلف أني لا أحتال في أيماني هذه.
قال: كلا؛ هذه يمين مركبة على اللصوص.
قلت: دع المناظرة، والله لأوجهن إليك هذه الثياب طيبة بها نفسي.
فأطرق ثم رفع رأسه وقال: تدري فيم فكرت...؟ قلت: لا.
قال: تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى وقتنا هذا، فلم أجد لصاً أخذ بنسيئة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعة يكون علي وزرها، ووزر من عمل بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلع ثيابك.
قال: فخلعتها ودفعتها إليه فأخذها وانصرف...