استشارة من سبقك في مجال، أو ممن له خبرة ومعرفة، تتيح لك أفكارا جديدة وسبلا تحقق بها تطلعاتك، بالإضافة إلى الحذر من التعرض للعقبات التي تعرض لها غيرك.
إن اللبيب إذا تفرّق أمره ...
فتق الأمور مناظرا ومشاورا
وأخو الجهالة يستبد برأيه...
فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
والاستشارة استغلال للموارد المتاحة، وقد سبقك الكثيرون في تجاربهم التي تمثل رصيدا كبيرا يمكن استغلاله والنهل من فوائده بلا ثمن، قال لقمان الحكيم لابنه: شاور من جرب الأمور، فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء وأنت تأخذه مجانا.
وهذه الاستشارة كانت العلامة الفارقة في تقسيم الرجال، فقد قيل: الناس رجل ونصف رجل، ولا شيء؛
فالرجل من له رأي صائب ويشاور،
ونصف الرجل من له رأي صائب ولكن لا يشاور، أو يشاور ولكن لا رأي له.
ولا شيء هو من لا رأي له ولا يشاور.
شاور صديقك في الخفي المشكل...
واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذلك نبيه...
في قوله (شاورهم) و (توكل)
لذا كان التأكيد عليها في تراثنا الإسلامي ضمن نصوص كثيرة، وكذلك في تراثنا الأدبي منثوره وشعره، ومن لطيف ما قيل في هذا الباب قول الشاعر بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن...
برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة...
فإن الخوافي قوة للقوادم
ومما يلاحظه البعض من حولنا حين استشارة شخص لصديقه بمسألة ما ثم لا يأخذ بها يجد هذا الصديق في نفسه ضيقا وانزعاجا، فإذا ما عاوده صاحبه بطلب مشورة أخرى يرد الصديق قائلا: وما فائدة رأيي إذا كنت لا تأخذ به...
السؤال عن الرأي في أمر لا يلزم الأخذ به، فهو رأي للاستئناس به في رؤية الأمور ضمن آراء أخرى من هنا وهناك، وليس رد الرأي وعدم الأخذ به تسفيها للرأي أو انتقاصا لصاحبه، فصاحب المشورة هو أعرف من غيره بحاجته وما يمكنه الأخذ به ضمن سلسلة من المعطيات، وصاحبك سألك رأيا يستفيد منه، ولم يسألك أن تتخذ قرارا واجب التنفيذ.