ما كان السابقون من السلف الصالح يفوّتون صلاة الجماعة، بل كانوا يحذرون الحذر الشديد أن تفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام، لذلك تجاوزوا الكثير من الصعاب، وتحملوا العناء الكبير كي يقوموا في الصف مع إخوانهم في المسجد، وكانوا يخشون أشد الخشية من التلبس بشيء من أمور النفاق، فهذا ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول: كنا إذا افتقدنا الرجل في صلاة العشاء وفي صلاة الصبح أسأنا به الظن أنْ يكون قد نافق.
وسئل الحسن البصري رحمه الله عن شاب تنهاه أمه عن صلاة العشاء في جماعة خوفاً عليه، قال: ليس ذلك لها هذه فريضة.
لقد كان لهؤلاء الرجال مع صلاة الجماعة شؤون وشؤون، وسنذكر هنا أحوال بعضهم مع شيء بسيط من سيرهم التي تدلل على منهاجهم في حياتهم، وحرصهم على التمسك بالهدي النبوي، وتفكرهم بالآيات وإشفاقهم من فوات الصلوات مع الجماعة، ولك أن تتمعن في الصور التالية من حرصهم:
عن منصـور قال: سمعت إبراهيم بن يزيد رحمه الله يقول: إذا رأيت الرجل يتهـاون في التكبيـرة الأولى، فاغسـل يدك منه.
وقال مصعب: سمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه، فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: اسمع داعي الله فلا أجيبه...؟!، فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب، فركع ركعة ثمَّ مات رحمه الله.
وقال وكيع بن الجراح: كان الإمام سليمان بن مهران الأعمش قريباً من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى.
وعن يحيى القطان إنه إذا ذُكر الأعمش قال: كان من النُسَّاك، وكان محافظاً على الصلاة في جماعة، وعلى الصف الأول، وهو علاَّمة الإسلام.
ورُوِىَ عن محمد بن خفيف رحمه الله أنه كان به وجع الخاصرة، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة، فكان إذا نُوديَ بالصلاة يُحْمَل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك...؟، فقال: إذا سمعتم حيَّ على الصلاة، ولم تروني في الصف، فاطلبوني في المقبرة.