يقال ضع قليلاً من العقل على قلبك حتى يستقيم وضع قليلا من العاطفة على عقلك حتى يلين لكن كيف السبيل إلى ذلك وما هي كمية ( القليل ) هذه فبين عقولنا وقلوبنا صراع ما أن يبدأ لا ينتهي تخرج منه أنت (بعقلك وقلبك ونفسك) خاسراً بغض النظر عن المنتصر فإما أن تخسر مبادئك ومنطقك وإما أن تخسر سعادتك وعاطفتك فالعقل هو سيد الموجودات في حياتنا والمتحكم بأفعالنا وتصرفاتنا فيه نفكر ونقرر ننجز ونبدع نبني ونصنع كما ندمر ونهدم نكتب ونقرأ فهذا ما خلق من أجله وهذا ما يجب أن يوظف له أما القلب فهو سيد المشاعر والعواطف وهو مستشارنا به نحب ونكره نغبط ونحسد نحزن ونفرح به نشعر وبه نحنوا ونقسوا فهو المتحكم الأول والأخير في عالم أحاسيسنا فهذا ما خلق من أجله وهذا ما يجب أن يوظف له ..
لكن عندما يريد العقل ما يرفضه القلب أو يريد القلب ما يأبى العقل عندها تبدأ حرباً ضروساً بين عقولنا وقلوبنا حرب تدور رحاها في نفوسنا وضمائرناحرب لا ينتصر بها أحداً يتأذى قلبنا ويتعطل بعض عقلنا تنهم نفسنا ويضطرب ضميرنا فتنطفئ روحنا ونغدو جثة متحركة كل شيء فينا ينزف فما السبيل إذا وكيف يتصالح العقل والقلب فلا يصح أن تقودنا عقولنا بمعزل عن قلوبنا فنغدو جماداً مجردين من الإحساس كما لا يصح أن تقودنا قلوبنا فنغدو كتلة من العاطفة تقذفنا مشاعرنا في كل واد فلا تستقيم حياتنا إلا بوضع كل منهما في مكانه الصحيح ليؤدي دوره الذي خلق من أجله فيجب أن ندرب أنفسنا على التحكم بكليهما فبالعقل وحده قدنستطيع السيطرة على كل شيء لكن لن نرضى بشيء وبالقلب وحده قد يستطيع أي شيء السيطرة علينا ولن نسعد بشيء ..
أما بالاثنين معاً بانصهارهما في بوتقة النفس تنتج نفسا متكاملة نفسا مطمئنة لأن قلبها مطمئن وواثقة لأن عقلها يعمل فلا شيء يثبت ضرورة تكامل العقل والقلب معاً وأهميته لصلاح نفوسنا أكثر من قوله تعالى في سورة الحج: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار بل تعمى القلوب التي في الصدور ) أجل قلوب يعقلون بها فالسر هنا هو أن نمتلك قلباً نعقل به وعقلاً ننبض به ونعوذ بالله من عمى القلوب التي في الصدور فلا نشقى بعدها فلندرب أنفسنا على وضع كل منهما في وظيفته التي خلق لها فلا نجرد عقولنا من عاطفة قلوبنا ولا نسلم أمرنا كله لقلوبنا بل نوازن لنكون ممن يبصرون ببصيرتهم ويعقلون بقلوبهم .