الحياةُ رحلةٌ يمرُّ بها كلُّ إنسان فصولها الأيام وأبوابها الليالي أحداثُها بين المدِّ والجَزْر فهي الميلاد والموت والصحة والمرض والغنى والفقر والنجاح والفشل تجتمع بين جوانبها الفصولُ الأربعةُ فسوف تنتقل من برودة الشتاء إلى حرارة الصيف ومن زهور الربيع إلى رياح الخريف ستلفحك حرارةُ الظروف الصعبة وتتجمَّد عروقُكَ في صقيع الأزمات وتتساقط أحلامُكَ ورقةً بعد ورقة لكن هل ستُزهِر حياتُكَ من جديد إذا فاجعل عمرك كله ربيعًا بالتفاؤل والأمل ثم السعي الدائم لرضا الله عز وجل وصالح العمل وكلما زاد إيمانُكَ تجدَّدت رُوحُكَ وارتقى عقلُكَ وكثُر نفعُكَ فأنت في ربيع عمرك وإن كنت في الثمانين ..
ربيع العمر هو ليس سِنًّا معينة وشكلًا محدَّدًا ولا وضعية خاصة بعدها تنتهي الحياة ويذبل ضياؤها ويقلُّ عطاؤها فيضييق مفهوم الحياة ثم يتحجرٌ الفكرة مهما كان واسع لكن الربيع عند المؤمن والله أعلم - هو مقدار معرفتك بالله وصلتك به وتفانيك في عبادته وحجم حبِّكَ لرسوله الكريم واتِّباعك لنهجه القويم ومدى إسهامك في خدمة دينه وإحسانك لخلقه فمرحلة منتصف العمر ليست قصيرة كما يظن إنها برأي المختصين أطول مرحلة في حياة الإنسان فهي تمتد من سن العشرين إلى سن الستين أي أربعين سنة كاملة ويقسم هؤلاء هذه المرحلة إلى جزأين منتصف العمر الباكر يبدأ من (20 سنة) ومنتصف العمر المتأخر يبدأ من (40 - 60 سنة) ..
وهي تلفت نظرنا إلى أننا ما إن نبلغ الأربعين حتى نبدأ الحساب من نكون؟ وماذا فعلنا بحياتنا؟ ونضيف إن أول ما يَهولنا في منتصف العمر هو أننا لن نتمكن من قراءة كل الكتب التي نريد قراءتها ورؤية كل الأماكن التي نريد زيارتها وغالباً ما يغمرنا الشعور بالندم وهذا مانحسة ويفسره الشعور الذي يجعل الكثيرين يتحدثون عن منتصف العمر بوصفه خريفاً كأنهم يريدون القول إن المرء ما إن يشارف الأربعين أو يجتازها يودع ربيع حياته ويبدأ عندها العد التنازلي وهذا ما يقلق الناس أكثر وهذه المرحلة الثانية حيث تبدو لهم الخيارات الأساسية في حياتهم مُنجزة ولا مجال يُذكر لتغييرات يُعتد بها في مسارات هذه الحياة التى وصل إليها ...
والإنسان في حاجة في بعض الأحيان لأن يخلو إلى نفسه ويجلس معها على انفراد قد يكون لقاء مصالحة أو جلسة محاكمة أو بعضا من عتاب المهم أن يجلس مع نفسه وينتزعها من بين الناس ويستخلصها من أوحال الحياة ومستنقعات الزمن يزيل عنها تراكمات الأتربة التي تعلق بها كل يوم يحاول أن يفتش فيها عن ذلك الضوء القديم الذي يختفي شيئا فشيئاً و يتضائل يوماً بعد يوم ..
قال فاروق جويدة : ورجعت وحدي في الطريق اليأس فوق مقاعد الأحزان يدعوني إلى اللحن الحزين وذهبت أنت وعشت وحدي كالسجين هذي سنين العمر ضاعت وانتهى حلم السنين قد قلت سوف أعود يوما عندما يأتي الربيع وأتى الربيع وبعده كم جاء للدنيا ربيع والليل يمضي والنهار في كل يوم أبعث الآمال في قلبي فأنتظر القطار الناس عادت والربيع أتى وذاق القلب يأس الانتظار أترى نسيت ؟ أم أن تذكرة القطار تمزقت وطويت فيها قصتي ؟ يا ليتني قبل الرحيل تركت عندك ساعتي فلقد ذهب من حولي ونسيت ميعاد القطار ..