أن العلاقات الإنسانية قائمة على كتلة من المشاعر والعواطف فالمكونات الأولية للإنسان عبارة عن جسد وروح تشكلان قناة أساسية للتواصل بين الجنس البشري، يؤثر بها ويتأثرون، بها أيضاً فتبني علاقات ثنائية. لكن، من الملاحظ أن هناك حالة من الجفاف والركود العاطفي بين أبناء المجتمع الواحد بل أيضاً بين الأسرة الواحدة، يؤدي غالباً إلى خلق حالة من التمرد والنزاع الذي قد يفضي إلى مشاكل وتصدع مجتمعي. ويعتبر الجفاف العاطفي من المشكلات النفسية والاجتماعية المتفاقمة في المجتمعات العربية، ويمكن تعريفه بأنه نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد يعاني منها كافة أفراد المجتمع لا سيما فئة الأطفال والمراهقين. يتشكل الجفاف العاطفي نتيجة مجموعة من الأسباب أهمها الطريقة التي يتم بها تربية الأبناء في نطاق الأسرة، بعيد عن التوجيهات الدينيه والاجتماعيه السائدة، في مجتمعاتنا ..
يغيب على كثير من الآباء روح المكاشفة والمصارحة مع أبنائهم حتى يتمكن الآباء من معرفة مشاكل أبنائهم الخاصة التي تتعلق بالتعليم والتصورات الفكرية والعلاقات العاطفية واحتياجاتهم البدنية والروحية. فنلاحظ كثيراً أن العلاقة بين الآباء والأبناء تتسم بالجفاف والتعامل المبني على صيغة الأمر والنهي التي يشعر معها الأب أنه أنشأ هذه الأسرة ليكون فيها الحاكم الذي يجدر بمن تحته فقط السمع والطاعة والانقياد، بالإضافة إلى ازدواج المعايير في التعامل مع الأبناء إما بالتفضيل أو المحاباة والتفرقة كما أنه يغيب عن كثير من الآباء روح المكاشفة والمصارحة مع أبنائهم حتى يتمكن بها الآباء من معرفة مشاكل أبنائهم الخاصة بهم وهذا يخلق حالة من النزاع بين الأبناء ويتأثرون بتعامل أبويهم فتجف ينابيع العاطفة ويحل الحسد والبغض مشكلاً الجفاف العاطفي والتدهور الإنساني ..
لذلك التوجية الديني والاجتماعي يشكل محوراً أساسياً لهذه المشكلة، وهذه النماذج الجافة عاطفياً تسعى لتفريغ شحنتها العاطفية المختزلة خارج نطاق الأسرة وربما تتكون على أثرها علاقات مختلة أخلاقياً وفكريا وصحيا تحت ضغط الكبت الأسري وهذا يؤدي الى الشرخ المجتمعي وتتفكك هياكل المجتمع. فالجفاف العاطفي الأسري يحتاج إلى وعي أبوي ومراجعات شخصية يحرص معها الوالدين على تغيير أسلوب التعامل مع أفراد أسرتهم على مبدأ العدالة والمساواة في التعامل بالمستوى الفكري والديني والتوجهات بعيدا عن السلبية ومحاولة وضع الحلول الجذرية لهذه المشاكل الخطيرة، أهمها تعميق روح المحبة والمكاشفة والمصاحبة وتربية أفراد المجتمع على تقبل كلا للآخر وإعطاؤه حق طرح رأيه وممارسة دورة الاجتماعي. فهي المرآة العاكسة لجوهر المجتمع ومستوى وعي أفراده وتطورة الفكري والثقافي والسياسي..