يندهش كثير من المربين (الوالدين، والمعلمين، ..) من تصرفات بعض الأبناء والطلاب حال انخراطهم في مجموعات من أقرانهم؛ ويتعجبون كيف تحول ذاك الشخص (المنطوي) والهادئ إلى شخص آخر تقريباً؟! يحمل نقيض الوصف السابق، ويحدث في فكرهم تجاه هؤلاء الأبناء ما يُمكن أن يُسمى بـ( صراع النقائض). لذا تكثر الشكوى و (عدم التصديق) من هؤلاء المربين لأفعال أبنائهم وهو ما يجعل القائمين على مؤسسات التربية (المدرسة مثلاً) في حَرِجٍ، وفي أحايين كثيرة تحاول هذه المؤسسات "لا شعوريا" الانحياز للطلبة من ذوي الخلفيات الأسرية المشهود لها بالعلم والثقافة والأدب متناسية أو متجاهلة أن (سيكولوجية الفرد) تختلف عن (سيكولوجية الجماهير) بل تناقضها؛ لأن "مجرد تحول الأبناء/الطلاب المنفردين إلى مجموعات (جمهور) بحسب (لو بون) يزودهم بنوع من الروح الجماعية، هذه الروح تجعلهم يحسون ويفكرون بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي كان يحس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزولاً". ويشبه "غوستاف لوبون" في كتابه الشهير (سيكولوجية الجماهير) هذا التحول النفسي الجماهيري بالتفاعلات الكيميائية التي تتفاعل فيما بينها لتشكل مادة جديدة مزودة بخصائص مختلفة عن تلك الخصائص التي كانت تتحلى بها العناصر المنفردة قبل تركيبها.
فبسبب تلاشي الشخصية الواعية في الجمهور ، وهيمنة الشخصية اللاواعية، وبسبب التحريض والعدوى، والميل لتحويل الأفكار المحرض عليها إلى ممارسة مباشرة، بسبب ذلك كله لا يعود الفرد هو نفسه كما يقرر " لوبون". وعليه فإن للوعي بمثل هذه الظواهر النفسية الاجتماعية دور في فهم مثل هذه " السلوكات" وتشخيصها، ومن ثم استثمارها وتوجيهها، وكذلك يفيد الوعي بها في تبديد الانحياز ، و الشعور بالأمن والاطمئنان...