يعيش البعض حياتهم الدنيا على طريقة فرعون وآله ، غرور وبطش ، شر مطلق ، بطر وظلم ، غبنٌ واستعباد للآخرين ، أو حتى على نهجه في بعض صور فسقه ، و هذا النهج يجعل الفرد يختال في طرقات الحياة بما لديه من زينة وأموال وربما علم او منصب أو نسب ، أياً كانت المعايير المتوفرة لديه و التي تجعل النفس المريضة تغتر و تنسى يوم الوعيد وبأن الموازين ستنصب والحسابات ستصفى والعزة ستنقلب ذلاً بين يدي العزيز ملك الملوك .
كثرٌ تأخذهم العزة بالإثم كقصة فرعون ، سبحَ تيهاً في جبروت مملكته وظنّ أنه خير من باقي البشر بل اعتقد أن الديمومة هي حظه من ذلك البهرج و تلك السطوة ، فطغى وأطغى ، وظلم وأوغل ، و لم يقف مع نفسه هنيهة ليراجعها ولا سمح لبصيرته مرة ان تتيقظ فتنقذه من غرق محتوم في ثنايا الكفر قبل أمواج البحر و غياهبه ، حتى جاء ذلك اليوم وكما ورد في سورة يونس حيث حاول وجيشه اللحاق بموسى ومن آمن معه ، وبإعجاز إلهي ينقلب البحر إلى يابسة فيسير موسى ومن معه عليه بأمن وطمأنينة ، ومشى فرعون ذات الطريق بعمى المتكبر الذي يظن أن المعجزات أيضا تشمله ليستفيد منها ، ذاك الكبر الذي يحول اللبيب إلى غبي والعاقل إلى مختل، فأنى له أن يدرك أن البحر انفلق فقط من أجل نبي الله ، وهكذا سار عليه لتأتي اللحظة الحاسمة التي تسقط فيها كامل أقنعة التجبر والطغيان وليعود الإنسان الذي شخّص العملقة إلى قزم في لحظة الهلاك فيعلن إسلامه وتسليمه للإله الحق، ولكن هيهات فوقت التوبة قد مضى وأحيط به بالموت وهلك غرقاً ، وكان أن شك بعض بني إسرائيل في موته فأمر الله البحر كما جاءت في رواية ابن عباس في تفسير ابن كثير أن يلقيه بجسده صحيحا ، جسدا بلا روح على نجوة من الأرض وهو المكان المرتفع ليتحققوا من هلاكه وهذا يوضح معنى قوله تعالى( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) .
هذا الدليل المادي على موته وهلاكه جعله الله آية لمن شكوا ولم يصدقوا ، وليس بالضرورة أن يكون معنى النجاة هنا للبدن إلى يوم القيامة ولا يفهم منها ذلك وفق ما ذكرت التفاسير لكن وإن حدث وادعى من ادعى باكتشافهم لجثة فرعون أو وجودها في المتاحف فيستفاد من ذلك بأن في ذلك تصديق تاريخي لما جاء في نص القرآن بشأن فرعون وجسده بعد موته.
هذه الآيات المباركة والقصة المذكورة فيها تنبه قارئها لما يلي:
- نحتاج أحياناً إلى تقديم دليل مادي لننهي شك أحدهم ولنحوله من حال عدم التصديق إلى ضده ولا ضير في ذلك .
- علينا الحذر إن كنا على غير طاعة الله وكانت دروب الحياة كلها ممهدة حتى أن البحر نجده يابسة مما يزيدنا كبرا وعلواً فقد تكون النهاية بين طياته.
- بعض البشر يشحن قلبه بشاحن التكبر ويرتضي لذاته لباس الحقد ويتبنى نظرية الأنا وينصب ذاته متسلطا ويفرح بكونه لا يسامح ويزهو بكونه يعامل الخلق باستعلاء، تنبه أيها الغافل فتلك أبعد ما تكون عن صفات أهل الجنة.
- لا تيأس وإن وجدت أمواجاً متلاطمة أمامك فالله قادر أن يمهد البحر لتسير عليه فقدرة الله خارج أسوار معايير الطبيعة التي نعايشها فهو الإله من خلق الكون وفق ضوابط وهو من يغير الضوابط كيفما شاء ووقتما يشاء سبحانه .
نسأل الله طريقاً في رضى الرحمن لانخاف غرقاً ولا نخشى .. و نفساً ذليلة للرحمن ..
فالعزة لله ولرسوله ولمن آمن وفي طريق الهدى قد مشى .