يعتقد كثيرون أن الاعتذار نقطة ضعف يجب عدم إظهارها، كونها دليل انكسار وهزيمة لا تليق بهم، ومن هذا المنطلق فإن أشد المكابرين الرافضين للاعتذار، هم من الذين يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية لا تخطئ وإن أخطئت فهي سامية لا تعتذر لمن هم دونها مرتبة، وهذه صفه من صفات الكِبَر. كما أن الاعتذار ليس دليل ضعف أو فشل، كي نخجل منه، يكفي أن نعلم أن الاعتذار، يعني الاعتراف بالخطأ ورجوع عنه، وهذا الشعورفعل حسي ملموس، يحتاج إلى قوة محركة تجبر النفس على النزول إلى الحق ومحاسبة ذاتها، وهذا يكون عند من ملك صفة الشجاعة. إذا كنت من الذين يَجّبُرون الإساءة بالاعتذارفاعلم أنك شجاع ..
كما أن في بعض المجتمعات يعتبر الاعتذار جزءاً من مقوماتها وثقافتها الفكرية، فتراهم يزرعون في أطفالهم ثقافة الاعتذار منذ الصغر، حتى أن الأمر عندهم وصل حداً جعلهم يقرنون الصفح عن المخطئ، أو تخفيف العقوبة عن المجرم بالاعتذار، وتجد المخطئ في هذه المجتمعات يبدا أولا بالاعتذار عن خطئه بحق الدولة والمجتمع وحتى الأفراد. والاعتذار ليس كلمة تقال في زحمة الحديث وتبرير الخطأ، أو البحث عن مخرج من الورطة التي سببها سلوك خاطئ، والاعتذار يعني الاقتناع التام بأن هناك خطأ ينبغي تصحيحه، وهو ما أوجب الاعتذار، وبالتالي كما إن نوع الاعتذار يقترن بنوع الخطأ وحجمه. وأن نخطئ فنعتذر لا يعني أننا أشخاص سيئون، فنحن بشر لسنا معصومون عن الخطأ والواحب علينا أن نحاول إصلاح أخطائنا ..
لذا فالأعتذار الصحيح له شروط لابد من توفرها، وأهمها سرعة المبادرة بالاعتذار، وعدم محاولة تبرير الخطأ، والصدق في الاعتذار، وعدم التعالي أو التلاعب بالكلمات، واختيار الوقت المناسب وقد تكون نية البعض بالاعتذار صادقة، لكن طريقة اعتذارهم ربما تزيد الأمر سوءاً، فتفاقم المشكلة بدل من حلها، وقد يكون جهل بثقافة الاعتذار والسلوك الذي ينبغي إتباعه، فالاعتذار هدية تعبر عن تقديرنا وحبنا أو احترامنا لمن أخطأنا بحقهم. اعتذر أولا عن الخطأ وبشكل واضح وصريح لا لبس فيه، ثم ناقش وبرر ووضح في حال دعت الضرورة لذلك..
كما أن الخطأ مع الله عز وجل هو أعظم الأخطاء حيث يقابله استغفار وتوبة ونصوح، وهو أسمى مراتب الاعتذار، والتوبة هنا أسف وندم مقرون بتعهد على عدم الرجوع لهذا الخطأ مجدداً، لكن الإنسان بطبعه مجبول على الخطأ، فنجده يعود إلى معصية الخالق بشكل أو بآخر، فيذنب ويتوب ثم يذنب ويتوب، ولايزال الله يغفر ويقبل توبة العبد مالم يغرغر(كل إبن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) (حديث).والاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتذار عنه فضيلة أخرى، كلاهما فضيلتان تعززان الحفاظ على روابط الألفة والمحبة بين البشر، وهما في نفس الوقت وسائل تمنعنا من فقدان من نحب. والاعتذار بلسم يشفي الكثير من الجروح، ويمنع تطور الخصومة إلى جفاء فعداوة! ..
ويعتقد البعض أن من البشر من لا يستحق الاعتذار، في حين أن البعض الآخر لا يتردد بالاعتذار لشخص غريب، لكنه يتراجع عن الاعتذار لقريب أو صديق، وهذا تناقض صارخ قد يكون استعلاء وتكبر، أو أنه يتوقع من الطرف الآخر أن يتفهم الموقف ويسامحه وبعض الناس لا يعتذر لمن هم دونه، لكنه لا يتردد بالاعتذارلمن هم فوقه، أو لجهة قوية نافذه يخشى ردة فعلها.والاعتذار لغة النفوس الراقية التي تحترم ذاتها، ولا يكون إلا بطريقة ودية تعبر عن رقي وفهم المخطئ وحرصه على عدم خسارة من أخطأ بحقهم. وسرعة المبادرة بالاعتذار، وعدم التعالي أو التلاعب بالكلمات، واختيار الوقت والطريقة المناسبة فليست كل الأخطاء واحدة..