(جَفّت الأقلام، ورُفعت الصُحف، وقُضي أمرُ الله، فالذي يُصيبنا لَم يَكن ليِخطئنَا، وَمَا أخطَأنا لَم يَكن ليصيبنَا،) مَقاليد أمُور الخَلق، وَتصاريف أقدَارهم بَيد العَادل جَلّ وعَلا، فهوَ البَاسط وَالقَابض للخَير، يَرزق مَن يشَاء، ويصرفُ عمّن يشَاء، فإن أعطَاك أغنَاك، وإن منعَ عَنك أرضَاك، فحقيقةُ الرضَا بقضَاء الله وَقدره تَكمنُ في المَنازل العَصيبة، فإن رَضي المَرء بقضَاء الله بمَا فيهِ مِن عُسرٍ وَيسر، خَففّ الله مَصابه وَهمّه، وأذهبَ حَسرات نَفسه، قالَ الله تَعالى في كتابهِ العَزيز الكَريم، في سُورة الحَج، آيَة رقَم (34) "وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ"، أي المُطمئنين، والرَاضين بقضَاء الله، والمُستسلمينَ لأمرِه، وأمّا مَن توغّر صَدره واستشَاط غَضباً بقضَاء الله ألبسَه الله اليَأس والحُزنَ، فالانتقَائية بالإيمَان بالقَضاء والقَدر ليسَت مِن صِفات المُؤمن، وهيَ أن ترضَى بقضَاء الله في الرَخاء، وأن تسخَط في البَلاء، فالرضَا بَاب الدينِ الإسلاميّ، ومشكَاة الاطمئنَان والاستقرَار..
لذا إن الإيمَان بالقَضاء والقَدر خَيره وشره، تُعين المَرء على استحضَار أن الله تعالى رؤوفٌ رَحيم، قَدير كَريم، يُجزي الصَابرونَ عَلى صَبرهم وإنّ الراضِي بقضَاء الله، جَازمٌ ومُتيقن بأنه لا تبديلَ لِكلماتِ الله، ولا رَادّ لحُكمه، وأنّه مَا شَاء الله كَان، وَمَا لَم يَشأ لم يكُن، فالرضَا بالقَضاء مِن أسبَاب سَعادة المَرء، والسخَط عَلى القَضاء عليه من أسبَاب شَقاوته، وقَال رسُول الله صَلى الله عَليهِ وَسلم في مَعنى الحَديث: (مِن سَعادة ابن آدَم، استخَارة الله عزّ وَجلّ، ورضَاه بمَا قضَى الله، ومن شَقاوة ابن آدَم سُخطه بما قضَى الله)، فالراضِي مَع اختيَار الله، لا اختيَار نَفسه، وهَذا من بَاب حسن التوكّل عليه.وتَكمنُ ذَروة الإيمَان فِي أربعِ أمُور : الصَبر عَلى حُكم الله، والرضَا بقضَائه، والإخلاص والصِدق فِي التَوكل عَليه، والتَسليم لله عزّ وجل، واعتقَاد المُؤمن بأنهُ يَتحرك ضِمنَ مَجال الإرَادة الرَبانيّة، فيُعطيه شُعور بالرَاحَة والطُمأنينة، وتلبُس نَفسه السَكينة، وَهذا الشُعور بالإحاطَة الإلهيّة، يُعطي الإنسَان التَوازن في رُدود أفعَاله في حَالات الفَرح والحُزن، فيمضِي في قَضاء الله حُباً وَطواعيّة.وإذا أحبَّ الله عَبداً ابتلاه، فإن صَبر اصطَفاه وعَلَت دَرجته عندَ الله، ولا تزَالُ حَياة المُؤمن مَا بينَ صَبرٍ عَلى المِحن وشُكرٍ عَلى النعَم، حتَّى ينَال دَرجة الأبرار وَالصدِّيقين..كما إنَّ العَقيدة السَماوية في الإيمَان بالقَضاء والقَدر خَيره وشره، تُعين المَرء على استحضَار أن الله تعالى رؤوفٌ رَحيم، قَدير كَريم، يُجزي الصَابرونَ عَلى صَبرهم، قالَ تعالى في كتابه الكَريم، في سُورة الزمر، آية رقم (10) "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فمن أُعطيَ الرضَا والتوكل فقد كُفيَ ...