الشعر ديوان العرب وحافظ ثقافتهم ومؤرخ مشاعرهم لا يمكن عزل الشعر عن شخصية الرجل العربي النبيل والمساس به هو كالمساس بثقافة العرب وتاريخهم .. وظل على ذلك على تعاقب الأجيال تطور معهم وواكب تقلبات اللغة وتحولها من اللغة الجاهلية إلى لغة القرآن حتى وصول اللغة للهجات المحلية التي تحاكي واقع اللغة المحكية والتي لا تخرج في مفرداتها عن لغة الضاد.
ومع ظهور الإعلام الجديد وشبكات التواصل ظهرت أشكال جديدة من تعامل العرب وخصوصا أهل جزيرة العرب وخليجهم العظيم مع شعرهم .. فتحولت قصائدهم من قصائد تلقى على اسماعهم إلى قصائد مغناة على شكل شيلات وهي ألحان محلية وبحسب بحر وتفعيلة كل قصيدة .. وشكل آخر هو القصائد الصوتية التي يلقيها الشعراء بأصواتهم مع خلفيات ومؤثرات مرئية وصوتية .. وهذا يلاحظ من خلال برامج ( الفيس بوك ، والواتساب ، واليوتيوب وبعض السنابات ) .. وهناك شكل آخر هو ( المقتطفات ) وهي بيت أو بيتين من قصيدة ما أو حتى يتيمين أي لا ثالث لهما .. وهذا يظهر من خلال برامج مثل ( التويتر ) .
وبأي شكل ظهرت القصيدة فإن قوانين الشعر وأدبياته لم تتغير كل ما تغير هو شكل الظهور .. ولأن هذا الظهور الإلكتروني هو محاكاة للعالم الحقيقي فإن ظهور القصيدة هو ظهور حقيقي ولكن في عالم افتراضي ... لذا فإنها مجرد ظهورها يخرجها من عالم الخصوصية والسرية إلى عالم العمومية والعلن .. ولا يستطيع شاعرها منع الإستحسان أو الإستهجان فهي أصبحت تحت مقصلة النقد والذوق العام .. وأجد نفسي محرجا كناقد حين تصطدم عيناي بأبيات مكسورة أو تخرج عن روح القصيدة .. فالشعر في معناه ومبناه هو مقدس بقداسة بيت العربي .. ومناقشة الخلل في القصيدة من ناحية مبنى ( وزن ) أو معنى ( شاعريته ) لا يعني مناقشة شخصية الشاعر نفسه .. ولكن ما يحدث أن كثير من الأشخاص لا يقبل القول أن قصيدته مكسورة أو معناها مختل ويرى أن هذا الأمر هو هجوم شخصي .. حسنا أنت من كسر ومن أخل ومن نشر .. وقبل ظهور الإعلام الجديد كان الشعراء لا يلقون قصائدهم في المجالس والمناسبات حتى يعرضونها على خبراء لأنها متى ما ظهرت فإن عليه تلقي التبعات الأدبية وكان الشاعر يتردد كثيرا في اظهار قصائدة .. أما الآن فهو يجلس في ركن بعيد متواريا عن الأنظار ويطلق قصائده على عللها وآفاتها لتعانق فضاء المجتمعات العربية وهذا أمر خطير .. لأن فيه عبث بديوان العرب وثقافتهم وسلامة أذواقهم ومفرداتهم اللغوية حتى وإن كانت غارقة في المحلية .. والغريب أن شعراء الزوايا المظلمة يغضبون من النقد ولا يريدون سوى تلقي المديح و ( صح لسانك ) و ( بيض الله وجهك ) .. أما غير ذلك فهم يعتبرونه عداء وهجوم شخصي .. أحدهم قال لي ذات مرة حين نقدت أبياته المكسورة ( المفروض تكلمني على الخاص ) والسؤال هل نشرت أبياتك المكسورة على الخاص ؟ .. عندما تنشر أبياتك على فضاء العالم الإفتراضي عليك أن تتقبل النقد وتستفيد من المعلومة والتوجيه لتستفيد ويستفيد غيرك من هذا النقاش أما الصراع والصراخ والإصرار على سلامة قصيدتك فهو أمر عبثي يكسبك العداوات ويبقيك تدور في حلقات مفرغة من التخبط ومزيد من الأخطاء العروضية واللغوية والثقافية .
الشعر ياسادة ليس ملكا لأحد في فنونه وتركيبته .. وكعرب يجب أن لا نسمح لأحد أن يعبث بموروثنا ويضر بذائقة الأجيال للنص والإيقاع الشعري .. يجب أن ندافع عن الشعر دفاعنا عن هويتنا لأنه ديوان العرب وحافظ الثقافة والتاريخ ومتنفس الأحاسيس والمشاعر