الفكر والحكمة مظهر عالمي ولا يختص بأمة دون أختها، وفي كل مجتمع يولد بارعون فكرا وعلما وأدبا وابتكارا وهذا ديدن الحياة والكون وسنة الله في خلقه.
وحين أسمع عن كتّاب عالميين أو كتب حازت مجدا وأقرأ محتوى فكرهم يصيبني تعجب وألم ففي ثقافتنا الإسلامية من الوصايا والحكم والمعايير التي جاءت في الكتاب والسنة ما يتفوق على فكر كل حكماء العالم وأتعجب ويصيبني الغيظ أن تجد كتبهم قراءً بالملايين وما يكتبه المسلمون استقاء من مصادر دينهم لا يقرؤه أحد!.
إليكم على سبيل المثال كتاب كِنت كيث " الوصايا المتناقضة" والمطوّر عن مقال بعنوان " Anyway - على أية حال" ووجد تجاوبا وانتشارا هائلا وفيه وصايا فكرية واجتماعية وإنسانية.
هذه الوصايا التي يتباهون بها مجتمعة هناك ما يقابلها في مصادرنا الشرعية بل ويتفوق عليها ملايين المرات .
من وصايا الكتاب :
-إذا فعلت الخير سيتهمك الناس بأن لك دوافع أنانية خفية ، إفعل الخير على أية حال .
- إذا حققت النجاح سوف تكسب أصدقاء مزيفين وأعداء حقيقين ، إنجح على أية حال .
-الخير الذي تفعله اليوم سوف ينسى غداً ، إفعل الخير على أية حال .
- إن الصدق والصراحة يجعلانك عرضة للإنتقاد ، كن صادقاً وصريحاً على أية حال . ))
يا للفقر ! أهذا هو الكتاب الذي يتضمن فكرا متفوقا ونصائح ماسية؟
وماذا عن حبيبنا المصطفى عليه السلام فكم وصّى على فعل الخير والمبادرة به ومساعدة الضعيف وبذل الجهد والتزام الصراحة وإعمال العقل و و و ، مئات بل آلاف من التوجيهات والدرر التي تجعل حياتنا سليمة ورائعة بل تضمن لنا الآخرة بفضل الله ورحمته أيضا.
إنه لأمر محزن أن يتصدر الفارغون مناصب الاهتمام العالمي بينما كتب قيمة أصحابها عرب ومسلمون وفكرها مشتق من ينبوع الدين لا تجد قارئا، ويُمجد مثل هذا الكاتب على كلمات فقيرة كتبها وظن أنه أتى بالقمر وأسقطه أرضا وتكتب عباراته على الجدران وتعظم ؛ بينما الفكر الإسلامي النابع من الوحي قد سبق بألف وأربعمائة عام في طرح وصايا أجل وأعظم .
مقالات يكتبها كتاب مسلمون ترتكز على تفسير آيات من القرآن أو شرح أحاديث وكتب تغرف من هذين النبعين سواء في الفكر الإنساني أو مجال التربية أو الاجتماع والإرشاد النفسي وجميع المجالات لا تجد قارئا ويأتي الكتاب الأمريكي متبخترا فيبيع بالملايين ربما لأنه أمريكي لا لجودة المحتوى والعالم يميل نحو كفة القوى العالمية حاليا، والمؤلم أن حتى من المسلمين خاصة المراهقين والشباب ومن تحكمهم عقدة الغرب والخواجة لا يقرؤون كتابا عربيا ولا إسلاميا تعاليا على سخافة الفكر العربي كما يدّعون وولاءً للفكر الغربي المتطور، وتجد هؤلاء يقرأون كتبا أجنبية بنهم بينما مجمل هذه الكتب لا يوازي روعة حديث شريف واحد من جوامع الكلم ولا بيان آية عظيمة من كلام الله.
وتصيبني الحيرة في تحديد الأسباب، هل هي العقدة التي ذكرنا أم التغريب والغزو الغربي أم فقدان الانتماء للغتنا ومصادرنا أم تدنيس الهوية وضبابيتها أم الشعور بالدونية والقصور؟!
هل تلعب مشكلة التسويق العالمي دورا من ناحية سيطرة الماسونية على الإعلام والنشر؟! كل هذه أسباب صحيحة وعوامل منطقية.
إذن هل هناك من حلول؟؟
ربما الحلول تحتاج معجزات في تصحيح مسار القوى العالمية إعلاميا وتقنيا وعسكريا لكن فلنطرح ما هو في أيدينا كأفراد وجماعات وربما كمؤسسات.
أولا : تصحيح مسار التربيةبما يحفظ الهوية من لغة ودين وثقافة وفكر بحيث يتعرف المسلم على محتوى مصادره ويغرف منها .
ثانيا: تصحيح مسار التعليم والمناهج لحفظ الهوية وذات الأمر السابق ولضمان قراءة فكرنا كما يجب.
ثالثا: العمل على تصحيح حال الإعلام وإن كان هذا صعبا إن لم يكن مستحيلا في ظل السيطرة العالمية لكن نجتهد فنسدد ونقارب.
رابعا: محاولة تجويد عملية النشر والطبع للفكر العربي والإسلامي ليصل لبقاع الأرض وهذا يتطلب من المسؤولين في كل قطاع تقديم مبدعيهم وتبني أعمالهم ونتاجهم بما يليق ليصل للعالمية.
الحلول للأسف ليست جهد فرد أو مؤلف فحسب بل تستدعي مالا طائلا ومخصصات مادية ضخمة وتقنينا على مستوى عالٍ لنصل للمبتغى.
على أية حال .. أنا فخورة بفكري المشتق من الكتاب والسنة ولديّ من الكنوز ما تحتويه كتاباتي -ومثلي من الكتاب كثير- ما يدحض ويخجل ألف كاتب من أصقاع الأرض؛ لكن العالم الآن يحارب العربية وأهلها فأنى لنا بالعالمية.
يكفينا عزا أن نعرف أنفسنا وروعة فكرنا وإن جهلنا الكوكب.