"الوطن ليس الماضي فقط، الوطن هو المستقبل، كما يقول الروائي الراحل غسان كنفاني".
أرأيت يوم تفقد إحدى عينيك، وتضع الوطن مكانها، فإنك حتماً ستبصر بعين الوطنية التي تغشاك، وعندها ستعيد رؤية الأشياء من منظور الوطن الذي كل يوم هو في شأن..
الوطن ليس عباءة تقليدية نتدثر بها، وليس فصاحة بيانية نتفاخر بها، وليس نعتاً نهبه لم أراد، ونمنعه عمن نريد..
الوطن حلقة وصل لا تنقطع، ورؤية منها نستمد عطاء ما له حدّ، الوطن ليس وهماً نذروه في الهواء، وليس نسجاً من خيال نصوره كيفما نشاء، الوطن تقاليد البناء الراسخة في عروقنا منذ الأزل..
الوطن أنشودة الأطفال التي يردّدونها بكل حماس، وقصص الجدات التي يروينها دون مساس، وشهادة الرجال التي دونوها، بحق الوطن، دون التباس..
الوطن حالة الصفاء والنقاء التي يبعثها نسيم الفجر في أرواحنا، وهو حالة التطلع للغد التي يبثها شفق الغروب في نظراتنا..
الوطن هو المملكة العربية السعودية، وهو ما يستحق أن نطلق عليه وطن، فهو بيتنا الكبير الذي يضلّلنا من شمس تلهب، وهو الذي يحمينا ساعة اقتراب الحميم واللهب..
أرأيت لو أنك وهبت كلّ الحب بقلبك لهذا الوطن، وكيف أنّ دقّاته ستتحوّل إلى نبض من حياة أخرى، وكيف سيغدو ذلك الحب دفقات من عطاء وبشرى وفرح..
الوطن ليس بيتي وبيتك، أو أقاربي وأقاربك فقط، بل هو كلّ هذا الشّمل، وكلّ هذا التنوّع الديموغرافي على مساحة خريطة الوطن، وهو كل سعودي إنتماء وولاء به نفخر..
الوطن عطاء رجاله الذين خاضوا معارك التوحيد، ودماء أبطاله الذين عن حدوده يذودون، وبينهما ملحمة من العمل والإتقان تسير بمركبته إلى برّ الأمان، لتحقق مع قادته رؤيته التي إليها يتطلّع..
الوطن واجب لا تتأتى الحياة إلاّ بالإتيان به، فالوطن كامل لا يقبل إلاّ كاملاً، وهو شعبة الإيمان التي نصونها، فأي حياة هي الحياة دون وطن يحنّ على أبنائه، كأصدق قلب أم وأب حنونين..
أرأيت لو أنّ الحياة كستك حلة غير حلتك، وأحالك الزمن إلى ليل من الظلام أحلك، فمن تراه سيلبسك حلة تليق بك غير هذا الوطن، ومن تراه سيحيل ليلك المظلم إلى صبح أبلج غير هذا الوطن..
الوطن يهبك النور ليكون دليلك في هذه الحياة التي ينعدم في بعضها معنى الوطن والوطنية، الوطن هو الهبة السماوية التي يتوّجب علينا حفظها، والمساهمة في دفع عجلتها نحو التنمية المنشودة..
الوطنية هي الفعل الذي يترجم مفهوم الوطن؛ فإذا كان الوطن هو تلك الراحة والسّكون اللذان نشعر بهما في قلوبنا، فالوطنية التي حققناها بتعايشنا السلمي والبناء هي الترجمة الفعلية للوطن..
الوطن ينمو بتحوّلاته العصرية والإيجابية عاماً بعد آخر، ويكُبر في مدولاته كل عيد وطني إثر آخر، وفي يومه الوطني التاسع والثمانين نقرأ عليه السلام طوال يومنا وليلتنا، فوطن السلام لا يرتضي الاستسلام، ويواصل السير بسلام وطموحنا إعتلاء
القمة بهمّة لا تُقهر كل يوم وشهر وعام..
الوطن الذي نحتفي ونحتفل به في يومنا هذا ليست إلاّ وقفة نعيد من خلالها تذكّر كلّ ما مضى، ونتطلّع من خلالها نحو كل ما هو آتٍ، وما هي إلاّ وقفة نعلي بها الصوت صادحاً أنّ للوطن كل الحب، وأن الحب هو الوطن..