مع إشراقة يوم ماطر جديد ونسمة هواء باردة وخيوط شمس ذهبي تظهر ليخفيها السحاب بين الحين والآخر فيعكسها ما اجتمع هنا وهناك من مياه الامطار
أخذت أتجول هائما حتى ساقني هيامي للوادي القريب من قريتنا حيث مجرى السيل والمسطحات الخضراء ومصدر السعادة لكل مستمتع بالحياة ..
رغم ما سبب لي من دمار نفسي وعقلي وتسبب في رحيلي عن القرية بعد أن عاهدت نفسي مراراً بعدم العودة أو الذهاب إلى مايبعث الحزن من آخر لقاء جمع بيينا بما قد يزيد على الأربعين عاماً
وقالت لي أني راحلة إلى غير رجعة ؛رمت السلسلة التى اشتريتها لها تعبيرا عن مدى اشتياقي لها والتي جمعت قيمتها كل ما ادخرته من مصروفي المدرسي .
أشاحت بوجهها عني وهمست لي بأن الحب وحده لايكفي لكي نعيش بكرامة يالهُ من تحدي يصعب على مثلي خوض غماره خاصةً وأني كلما قررت الذهاب لاستعادة ماتبقى من تلك الذكريات حال دون ذلك مانع
أجبرت نفسي على كسر ذلك الحاجز المخيف غير آبه بخطورة النتائج خرجت من البيت سلكت ذلك الطريق الذي بدأ يهيمن عليه الظلام يظلم ليمحوه صوت مازال صداه يرفرف في إذني وبدا قلبي بالخفقان وثقلت خطواتي حتى توقفت وتسمرت قدامي عند تلك الأطلال يتسيدها حائط من بقايا غرف مهجورة قد اهترأ جسده وتناقرت أشلاؤه أكوام من بلكً متناثر ملأت رحابة المكان وقطعة باب متصدئة قد عاث به جور الزمان وتوالت عليه الويلات حتى خر جثةً هامدةً وكأنه شاهدا على حقبة زمنية لا ينساها احد من أبناء قريتنا
أنها ((مدرسة السليل الابتدائية )) والتي كانت تسمى مدرسة (( )) .
جال بي نظري بين ذلك الحائط وحجرة أخرى شرقية كانت الأب الروحي للمدرسة بمن فيها كان من بين حناياها يُصنع القرار وتدار السياسة استحقت آنذاك وبجدارة حمل اسم إدارة المدرسة : أطلت الوقوف وأغمضت عيني لأسترد نشوة تلك الأيام وأتعايش معها قليلا حسا ومعنى مطموس.
عدت إلى ذلك الصباح الباكر البهي وأنا أحمل حقيبتي وأقف بالباب وقد رن جرس الطابور إيذانا باصطفاف الطلاب لاح أمامي منظر ذلك الرجل الأنيق صاحب الطلعة البهية مدير المدرسة وهو يشير إلى من تأخر من الطلاب بالوقوف جانباً أمام الباب
أجد الاستاذ …. وهو يجتز بعض أغصان وفروع المرخ لحبكها لوشم ظهر كل من لم يحفظ السورة التي كلفنا بحفظها بالامس الأستاذان ………..و ……… يمشيان بين الصفوف لمراقبة الأوضاع والتنبيه على الجميع كي ينصتون لسماع آيات من الذكر الحكيم ثم كلمة فالنشيد الوطني بصوت الجميع قرر حينها صوتي مشاركة هيام عقلي صادحا ؛ ب (( سَارِعِي لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَا
مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء
وَارْفَعِ الخَفَّاقَ أَخْضَرْ
يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّرْ
رَدّدِي الله أكْبَر
يَا مَوْطِنِي
مَوْطِنِي عِشْتَ فَخْرَ الْمسلِمِين
عَاشَ الْمَلِكْ: لِلْعَلَمْ وَالْوَطَنْ ))
جلست في إحدى الزوايا على بلكة وسرح لتذهب بي ذاكرتي إلى أطلال أخرى مماثلة لاتقل شجوا عن سابقتها في شوارع قريتنا وأزقتها كم كانت الحياة جميلة ببساطتها وشح إمكانياتها
حيث كانت العابنا تحت ضوء القمر تلك الالعاب التي لا تضاهيها الأولمبيادات العالمية (( الساري والدُسّيس والمزْقرة ))
وما بين رايح وغادي عاد المطر بالهطول بغزارة اغمضت عيناي وخاطبت المطر أن يغسل قلبي المتعب كي أنسى الماضي ولن يستطيع ركبت سيارتي أسندت رأسي على المقعد وغفوت لأصحى على صوت منبه سيارة البلدية التى لم نكن نعرفها في أيامنا تلك كي أفسح لها ولروحي الطريق .