كان رمضان يحل علينا ونحن بدوٌ رحل، نتنقل بحثًا عن مراعي مواشينا، تارةً في قمم الجبال، وأخرى في سهول الوديان، وأحيانًا على سواحل الخبت. في تلك الأيام، لم يكن لدينا شعير، وكنا نعتمد على هطول الأمطار ونمو النباتات، مما اضطرنا إلى التنقل المستمر بمواشينا من مكان إلى آخر.
لم تكن هناك وسائل مواصلات أو طرق ممهدة، ولا وسائل إعلام تنقل إلينا أخبار دخول رمضان. غير أن أحد أفراد القبيلة كان يمتلك جهاز راديو، فيلتف حوله الناس، مترقبين إعلان بداية الشهر الكريم. وكثيرًا ما كان الخبر يتأخر حتى منتصف الليل، نظرًا لعدم وجود وسائل سريعة لنقل شهادة رؤية الهلال إلى أقرب محكمة.
في ذلك الوقت، كان الناس ينامون مبكرًا من شدة التعب. وعند التأكد من دخول رمضان، كان أحدهم يطلق طلقة نارية في الهواء، بينما يصعد آخر إلى مكان مرتفع وينادي بأعلى صوته: "غدًا صيام"، فتصل أصواتهم إلى أماكن بعيدة، معلنةً بداية الشهر الفضيل. وبعض الناس لم يكن يصلهم الخبر إلا في منتصف النهار، فيصومون ما تبقى من اليوم.
كانت الأمية منتشرة في تهامة، إذ لم تكن هناك مدارس. ومع ذلك، كان هناك رجل يقرأ بالفطرة رغم أميته، وكان يُلقب بـ "الفقيه". كان يخطب في الناس خلال صلاة الجمعة طوال شهر رمضان، ورغم قلة علمه، كان كبار السن يحترمونه ويستمعون إليه بخشوع.
أما الجامع، فكان يقع تحت شجرة سدر، وكان رجلان يقفان على جانبي الفقيه ليظللاه بمصنف من أشعة الشمس، حتى يتمكن من قراءة الحروف. وكان هو من يتولى إمامة الناس في صلاة العيد، واعترافًا بفضله، كانوا يقدمون له زكاة الفطر في يوم العيد.
كان الفقيه يغادر وقد حصل على ما يكفيه لسنة كاملة من حبوب الزكاة، التي لم تكن تتجاوز الذرة والدخن آنذاك. هكذا كانت حياتنا، وهكذا تبقى الذكريات التي لا تُنسى.