في القصيدة الجاهلية كان الشعراء يبدأون قصائدهم بديباجات وافتتاحيات تحاكي بيئة الشاعر وثقافته واهتماماته فكانوا يبدأون بالأطلال ورسوم المنازل .. وذكر الجمل أو الناقة ووصفها .. أو يخاطبون الأصدقاء كقولهم ( خليلي ) فكثير عزه يقول ( خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ) وامرؤ القيس يقول مخاطبا نفسه ومن معه ( قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل .. ) حتى يصل ( وقوفا بها صحبي على مطيهم .. ) واستمر الشعر كذلك وتطور إلى العصر الإسلامي والنهضة الاسلامية والعربية الأولى فتحول الشعر قليلا وبدأ في الدخول في فكرة القصيدة مباشرة كقول ابو تمام ( السيف اصدق انباء من الكتب ) ..والمتنبي ( لا خيل عندك تهديها ولا مال .. ) والأمثلة كثير .. ومثل الشعر العربي في بداياته وتطوره فعل الشعر ( البدوي ) ورغم أنه ابتعد عن بعض العلل وألغى بعض عروض الشعر من سبب ثقيل ووتد مفروق إلا إنه حافظ على البحور نفسها وعلى التفاعيل والإيقاع والموسيقى الشعرية والتزم بالسبب الخفيف والوتد المجموع وبعض العلل كالزحاف .. كما عاد لممارسة نفس الأغراض الشعرية وحاكى الشعر الجاهلي في افتتاحياته من ذكر للجمل والناقة والفرس حيث كان الشعراء قبل مئة عام أو أقل يبدأون قصائدهم بإفتتاحيات مثل ( ياراكب من عندنا فوق .. ) كناية عن بيئته البدوية الشامخة .. أو ( يالله ياللي ) كناية عن عقيدته الراسخة .. أو ( سر ياقلم ) كناية عن علمه وثقافته .. ثم تطور الشعر ليدخل في الفكرة مباشرة وتقلصت القصيدة من المرور على بعض الاهتمامات الخاصة بالشاعر ومجتمعه إلى الدخول في طرح فكرته مباشرة .. وهذا تطور فرضته الحياة ونمطها المختلف .. ويبقى شعراء اليوم هم احفاد زهير بن ابي سلمى والشنفرى وامرؤ القيس والنابغة الذبياني وغيرهم .. وهم نفس المجتمع العربي الذي عاش التحولات والتغيرات المجتمعية من الصحراء إلى المجتمعات المدنية المتحضرة .. ويبقى الشعر ديوانهم وشاهد تطورهم وحضاراتهم وتحولات مجتمعهم.