يا قارئاً أبياتي بعد مماتي
أسلمْ عليّ سلامَةَ الأمواتِ
واحملني في نعشٍ خفيفٍ احمني
عندَ المقابرِ ساتراً سوئاتي
أنزلني في مهلٍ وناولني أخي
خذْ بالتريّثِ جثتي و ثباتِ
منّي السّلام أيا يا مقابرُ هللّي
سكنايَ قبري و للجوارِ سلامي
كم مرةٍ جئتُ دعوتُ إليكمُ
واليوم أنتظرُ دُعى الأحياءِ
يا راحلينَ وبالنّعالِ خُطاكمُ
حنّوا عليا و أمهلوا الخطواتِ
صلّوا عليّ صلاةَ موتي إننّي
أتوحشُ البُعدَ بكمِ إسراءِ
لا تتركوني وحيدةً أبغي أخي
أمي وأهلي مُحبيّ و إباءِ
أتراني في قبري حزيناً إنني
قربَ الإلهِ تحفّني الأشلاءِ
ضاقتْ بيا الأرضُ فَرحتُ مودّعاً
دارَ الخلودِ ونعم دارُ إخاءِ
يا سائلاً عنّي الصّحاب وجمعهم
أحسنْ خياركَ في الصّحابِ ورائي
يا زائراً أهلي تُعازي فيهمُ
جَنَبي فترحمني مع الرحلاءِ
أبلغْ أبي التقدير جُلّ تحيتي
لولا هداهُ سكنتُ دار شقاءِ
أبلغْ لأمّي وقاريَ و شوقيَ
أحضانها كانت ملاذَ دفائي
أبلغ أخي فقدانيَ وتوحشّي
واشكره لي قد كان ذا معطاءِ
أخبر أُخيّاتي بأنّي وحيدةٌ
دعواتهم تنجيني من ظلماءِ
حتّى إذا أنهيتَ وقتَ عزائي
فارحل إلى دارِ الحبيبِ رجائي
أبلغه أني بانتظارهِ إننّي
دونه أرى الجنّاتِ وحي خفاءِ
قد كنتُ أعشقه وارفعُ باسمه
دعواتيَ للربّ ذا السماواتِ
أخبرهُ أنّ البعد بيني وبينه
لمْ يَدفن الحبّ فكان سواءِ
في حياتيَ و في تربتي و في برزخي
أحببته حباً بحجمِ سماءِ
أوصل إليه وصالَ بَوْحي يا تُرى
هلْ يُوصلُ الحبّ وفوقي ترابي؟
أنا ذي التّي غطاني كفني أبيضاً
قد كنتُ أعشقُ للبياضِ ردائي
في كلّ عيدٍ اشتريتُ الأبيضَ
واليوم كُفّنتُ بأبيضَ نائي
فاليومَ ثوبي لمْ أطاولَ مالهُ
أُهديتُ به من دون كسبِ شراءِ
كُفنتُ في سدرٍ و عُودٍ إنني
تحتَ المُكفنةِ بدون عناءِ
هي أمنياتي يا إلهي فأكسني
استبرقٍ من جنةٍ خضراءِ
اجعلني في خُلدِ الرياضِ شهيدةً
وامنحني قصراً أحييني برخاءِ
يا سائلاً عنّي بوحشةِ حُفرةٍ
إنّ الصّلاة لسرجةُ العتماءِ
لا تنسينّ كتابك مترتلاً
إنّ الكتابَ يُكفّرُ الأهواءِ
واحفظ لسانكَ أن تقول فتبتلى
احفظه من أكلٍ و سوءِ دماءِ
واحفظ بسمعك عن تغانيم الطرب
آواه لو صُبّ بسمعك ماءِ
غليانه نارٌ تفيحُ جهنمّا
ربّاه لا تكتبنا من التعساءِ
احذر جهنمَ قارئي واعلم بها
وديانُ سقرٍ أهلها ظلماءِ
فيحُ الجحيم طعامهم من شجرةٍ
زقومها قيحٌ على حمراءِ
ثمّ انطلق دار اليتامى واكسهم
جُدْ يا فتى وانفق على الفقراءِ
أجرُ الثواب لدى العظيم مُبجّلا
بجوارِ أحمد يا كافلَ اليتماءِ
سِرْ ماشياً بطريقك ثمّ التقط
شوكاً وحجراً قدْ يؤاذي حذاءِ
ثمّ النصيحةُ قارئي اعمل بها
لتنلْ منازلَ جنّةِ الشّهداءِ
فتحابّ في الله وابغض فيهِهِ
فتنلْ هنا من غبطةِ الصحباءِ
ربّاهُ إنّي قد تركت داري
وأملتُ فيك جنةً علياءِ
ودّعتُ أرضي ثم صحبي والأهل
ودّعتُ حبّاً كان فيه رضائي
قدْ كنتُ أشكي همومي وغمومي
فإذا ضممته كان صدره دوائي
اكرمني من كرمك وعفوكَ إنني
ضيفٌ يظنّ الحسنَ فيك سخاءِ
في هذه الدّنيا شقوتُ وإنّني
أدركت فيها مشقةً مع داءِ
فأعوذ بك من خزيها و جحيمها
لا تجعلِ الصحفَ تطيرُ هواءِ
لا تخزني في يوم بعثٍ إنني
أجهدتّ في صبري بنيلِ رضاءِ
ربّاهُ يومي قد أتى فارحمني به
وارحم قدوماً بعديَ مُترائي
عِظْ يا أخي عاصٍ يكونُ بجانبك
الموتُ لا يتخير الكبراءِ
الموتُ ضيفٌ للصغير وللكبير
الموتُ يطرقُ بابك بِفُجائي
الموتُ حقّ للفقير وللغنيّ
متزوجٌ أو كنتَ من عذراءِ
لا فرقَ في عجمٍ ولا عُربٍ ولا
لا فرق في سُودٍ ولا بيضاءِ
منَي اشتياقي إليكمُ ومعزّتي
قصّوا على الأحياء شِعرَ رثائي
قصّوا عليهم دمعتي ثم رجفتي
قصّوا عليهم سكرتي و بكائي
خذ بالنصيحة سامعي افعل بها
لا تأخذنّ وصيتي بهراءِ
رحبّتُ فيكم أجمعين فأنتمُ
مدعوَن في داري بيومِ عزائي
منّي السّلام يا قارئي صلّي عليّ
هذا نحيبي قبلَ يوم وفاتي