لا نستغرب أن نسمع أونقرأ مايكتب من تفشي ظاهرة البضائع المغشوشة وخاصة المستوردة من دول الجوار أو من أقصى دول العالم أو من شرقها وغربها ..!! ولا نستغرب كذلك أن نجد إن لم يكن ١٠٠٪ من أشيائنا المستوردة التي نقتنيها لحياتنا مغشوشة بشكل مباشر أو غير مباشر : الأطعمة والمشروبات والملبوسات والأثاث وحتى إنارة الطرق وتمديدات الكهرباء ومواسير المياه والصرف الصحي .. والألعاب ومواد البناء ..الخ ؛ لأن العمالة الأجنبية التي جاءت لتعمل تجذّرت في كل زاوية وزقاق من مدننا وأحيائنا وانتشرت تبيع وتبتاع في شوارعنا وأمام مساجدنا وداخل أسواقنا وخارجها وتربعت في شركاتنا ومؤسساتنا ومكاتبنا ومصانعنا ومختلف أنشطتنا الاقتصادية ، ولا نكاد نلتفت يمنة أويسرة إلا وقد غصت بعض الأماكن من كثرتهم وبخاصة في قلب الأسواق الأكثر ازدحاما وعملًا في المدن الرئيسية وغيرها في القرى والهجر والمزارع ..!! حتى سيطرت العمالة الأجنبية على مفاصل اقتصادنا المحلي بطرق لا نعلم كيف يديرونها ؟
عاشت العمالة الأجنبية بيننا ومازالت ردحًا من الزمن فتحولت من عمالة الى صاحب دار وبقاء يصعب عليهم وربما علينا التخلي عنهم ؛ لأنهم استسهلوا كل الطرق ووجدوا كل الدعم والعون من ابناء جنسهم وجنسنا واستفادوا من أهم مرافقنا الصحية والتعليمية وشركات التامين والسفر والحج والعمرة ومساكن الحجاج والمعتمرين ومراكز الخدمات واسواق الخضار واللحوم والتمور ومازال بعضهم يمارس دوره في استنزاف مقدرات الوطن حتى يومنا هذا ... لماذا نقول ذلك ؟ لأننا إذا رأينا الاعداد المهولة من هذه العمالة التي تشكل تحديًا وتهديداً لاقتصادنا عرفنا سر بضاعتنا المغشوشة ومنتجاتنا الهزيلة التي تفتقد الحد الأدني لمعايير الجودة حتى في بناء مساكننا ، فعامل لا يحمل مؤهلات علمية فضلا عن هندسية يتدرب حتى يصبح مقاولًا يشار له بالبنان ..!! وإداري بسيط نتفاجأ بكونه مديرًا تنفيذيًا قدير أو متحولًا الى محاسب رهيب ، وفني بيطرة الى طبيب أسرة ..!! والأمثلة لا تعد ولا تحصى ..!! بالغنا في الثقة بهم كثيرا فكسبنا الأمراض وعدوى الإتكال وخسارة الأموال ..!! وأصبحنا بسببهم نعيش حياة التساهل والتواكل وانشغلنا بلهونا عن جدّنا وبسهرنا عن أعمالنا وبيوتنا .. طبعًا ما أصابنا أصاب الدول الخليجية أجمع وبدرجات متفاوتة وربما نحن وسلطنة عمان أخف من غيرنا ..!!
فإذا رأينا العدد الضخم على سبيل المثال كما جاء في تقرير مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بعنوان : العمالة الوافدة في دول الخليج .. أرقام ودلالات ، حيث شكلت العمالة في دولتي الامارات ٩٠٪ ..!! وقطر ٨٥٪..!! تليهما الكويت والبحرين ٦٠٪ تقريبا ثم السعودية ٤٥٪ وعمان ٣٠٪ عرفنا سر انتشار البضائع المغشوشة والخدمات الرديئة .. فقد تجاوز عدد العمالة الاجنبية ال ١٦ مليون والوافدون عموما قرابة ال ٢٥ مليون بأسرهم ما يعني أن ٥٠٪ من عدد سكان الدول الخليجية مجتمعة تقريبا هم أجانب وإذا ما استثنينا السعودية فقد يصل عدد الأجانب في باقي الدول الخليجية ال ٨٠٪ تقريبا ..
وحينما نسأل عن سر وجود هذه الاعداد الضخمة من العمالة الاجنبية : هل هو غزو عمّالي أم هجرة بؤس أم عمل نظامي ؟ تختلط الاوراق ونحتار كثيرا لأننا نحتاج لقراءة متأنية لأسرار تكاثرهم وبقائهم والى اعادة تنظيم واستراتيجيات عديدة للتعامل معهم .. طبعًا حتى لا نظلمهم جميعا فبلاشك تعلمنا على أيدي بعضهم وعشنا معهم أجمل الأوقات ؛ لكن ذلك لا يبعدنا عن حبنا لمصلحة وطننا ومجتمعنا وأمنه واستقراره .
وقد كشف تقرير البنك الدولي حقيقة هامّة وهي أن الدول الخليجية تصدرت دول العالم في نسبة وجود العمالة الاجنبية على أراضيها. وأن سرّ هذا الوجود وهذه الكثرة ما تميزت به عالميًا حتى على دول متقدمة بجودة المعيشة والاستقرار الاسري والاستقرار السياسي وسهولة التمويل الشخصي والاداء الجيد في الصحة والرفاهية وتقدمها في تصنيف السلامة والامن . كما أوضح تقرير المعهد الملكي للشئون الدولية بلندن "نشاتام هاوس" بأن وجود العمالة الاجنبية في الدول الخليجية أصبح جزءا من نظام توزيع دخلها وعقده الاجتماعي مع المواطنين".. وبسبب تعاظم حجم أعداد العمالة الأجنبية وغيرها من المخاطر السياسية والاقتصادية لجأت الدول الخليجية مؤخرا كلًا على حده إلى اطلاق رؤيتها حفاظًا على هويتها ومنها هويتها الاقتصادية .. ولم تكن السعودة التي بدأت بها المملكة العربية منذ اطلاقها في ١٣٩٠هجرية ثم لحقتها الدول الخليجية فيما بعد ببرامج وقرارت التوظيف والتوطين للأبناء وبنات وطننا الا *استشعارًا من قيادتنا الحكيمة بأهمية المحافظة على تماسك الوطن وهويته ومكوناته الاساسية ومنها هويته الاقتصادية ومكتسباته الوطنية بكافة اشكالها *... فهل تنجح رؤية المملكة ٢٠٣٠م التي امتازت بالعزم والحزم ووضعت ضمن برامجها رفع معدلات الانتاج الوطنية وتخفيض معدلات البطالة في إنهاء سيطرت العمالة الأجنبية بكافة جنسياتها وأشكالها من خلال برامج وقرارات عديدة كالإقامة المميزة وتأشيرة الضيف وتأشيرات الزيارة أو العمل ورسوم العمالة المقابل وتجنيس المتميزين والمبدعين منهم بغرض الحفاظ على هويتنا الاقتصادية وتحقيق أفضل مؤشرات لجودة حياتنا ؟.
___________________
*المستشار الاقتصادي
كبير الاخصائيين بالمالية سابقًا