الحمد للّٰه الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لملكه و ذلَّ كل شيء لعزته.. الحمد للّٰه الذي جعل الخير يترى على مملكة الخير والإنسانية في شهر الخير هذا، سيِّد الشهور الذي أضاف لفرحتنا به ومتعتنا بصيامه وقيامه، فرحة حقيقية عارمة بهذا النجاح المدهش للدبلوماسية السعودية الراسخة الأصيلة، بقيادة حادي ركبنا وقائد مسيرتنا الظافرة المنتصرة دوماً – بإذن اللّٰه تعالى – ، خادم الحرمين الشريفين، مليك البلاد المفدى، سيدي الوالد سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ يعاضده ويشد من أزره أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظهما الله ورعاهما وسدَّد على طريق الخير خطاهما. وهو في الحقيقة نجاح استثنائي تاريخي فريد، فلأول مرة حسب علمي، تتمكن دولة واحدة، أي دولة في العالم، مهما كانت إمكاناتها وقدراتها ومواردها المادية والبشرية، من تنظيم ثلاث قمم ناجحة في الزمان نفسه والوقت نفسه أيضاً؛ في عمل جاد حقيقي، فاق نجاحه كل التوقعات، وليس دعاية إعلامية رخيصة كما يحدث أحياناً في بعض الدول التي ينوء كاهلها بحمل أعباء قمة واحدة محدودة.
أجل، فخلال يومين اثنين فقط، عقدت السعودية في قصر الصفا العامر بمكة المكرمة المطل على الحرم الشريف، ثلاث قمم حقيقية: عربية، خليجية وإسلامية، برئاسة قائد الأمة الهمام سلمان، حيث توافد قادة ستة وخمسين دولة وممثلوها من آسيا وأفريقيا، جاؤوا يحدوهم الشوق للطواف بالبيت العتيق، ثم استجابة لدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي عرف بحنكته المعهودة كيف يعلق الجرس في رقبة إيران، إذ أجمع المؤتمرون على إدراك تعاظم خطر إيران وضرورة التصدي له بكل ما أوتوا من قدرة وسعة حيلة لإيقافه عند حدِّه، مستخدمين كل الوسائل الممكنة، وعدم السماح لها بالاستمرار في أنشطتها التخريبية، لاسيَّما بعد أن أطلعهم قائد الأمة سلمان على ممارسات إيران الاستفزازية وتحرشها المستمر لزعزعة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، وبالتالي تهديد الأمن والسلم العالميين.
ولم يكن حديث القائد البطل الفذ سلمان مرسلاً جزافاً هكذا، بل أكده عبر دليل قاطع، تمثَّل في ذلك المعرض الذي أقيم على أرض مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة بعنوان “حقائق.. في دقائق”، الذي أظهر عدداً من الصواريخ والطائرات من دون طيار والقوارب المسيرة وغيرها من المعدات والقاذفات التي استهدفت بها جماعة الحوثي الانقلابية في اليمن المدعومة من إيران، أرض الحرمين الشريفين؛ بينها أكثر من (٢٢٥) صاروخاً بالستياً، بلغت الجرأة بالحوثيين والنذالة والوضاعة لتوجيه أحدها لاستهداف مكة المكرمة، في فعل تقشعر له الأبدان، يعيد إلى الذاكرة جرأة أبرهة الحبشي والقرامطة الذين لم يعرفوا لبيت اللّٰه حرمته؛ الأمر الذي يثبت بشكل قاطع لا جدال فيه ولا مراء، تورط النظام الإيراني في تلك الأفعال الإرهابية الإجرامية الشنيعة التي ترفضها الفطرة السوية، ناهيك عمَّن يدَّعون الإسلام ونصرة المسلمين والدفاع عن المستضعفين في الأرض.
هذا بالطبع بجانب قتل الدبلوماسيين الذي تمارسه إيران وتفجير السفارات وزرع الخلايا الإرهابية في دول عديدة شملت حتى بعض دول أمريكا اللاتينية، وتهريب السلاح والمتفجرات إليها وتدريب كوادرها على الموت والدمار، ودعم مليشيات إرهابية لكي تكون مخلب قط تحت أمرتها، لا تستطيع عنها فكاكاً.
وللأسف الشديد، نجحت إيران في طريق الشر هذا أيّما نجاح، فقد شاهد العالم كله مغادرة (وفد قطر) أثناء كلمة ملك الأردن عبد اللّٰه الثاني بن الحسين في القمة الإسلامية، مسجلاً رفضه لإدانة الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت ممارسات إيران العبثية التخريبية من إرهاب وإصدار أوامر لمليشياتها التي لا تعصي لها أمراً، حتى إن كان استهداف بيت الله الحرام، لاستهداف السفن السعودية والإماراتية في المياه الإقليمية. الأمر الذي يشكل تطوراً خطيراً يهدد سلامة الملاحة العالمية برمتها، ويشكل تحدياً حقيقياً لمصالح التجارة الدولية. وقد عبَّر الأخ سالم الشيباني عن موقف قطر المخزي الجبان غير الأخلاقي هذا في تغريدة مقتضبة جامعة، إذ يقول: (كعادتهم.. يدخلونهم الكبار من الباب الكبير، ويهربون صاغرين من باب الطوارئ). ولم يشفع لأمير الكويت وملك الأردن مواقفهما الداعمة لعودة قطر لدفء حضنها العربي.. وقد رأينا كلنا في القمة الأخيرة مجاملة الشيخ صباح الأحمد الصباح لرئيس وفد قطر وطلبه إلى مقام خادم الحرمين الشريفين تطيب خاطره ومصافحته؛ وإن كان لي تعقيب مهم على هذا الأمر، سأعود إليه لاحقاً في ثنايا هذا المقال.
وعلى الدرب نفسه سارت سوريا التي اعترضت على ما جاء في البيان الختامي للقمة العربية، مع أنه أدان تدخل إيران السافر في شؤون الدولة السورية.. يخربون بيوتهم بأيديهم. وبالطبع ما كان للعراق أن يتأخر عن الركب، فتحفظ على البيان الختامي للقمة العربية أيضاً متبرئاً منه بحجة عدم مشاركته في صياغته!.
وعلى كل حال، بعيداً عن هذه الملاحظات الثلاثة، لتلك الدول الثلاثة التي اختارت التخلف عن ركب بيئتها الطبيعية، إذ لم تستطع فكاكاً من مخلب الشر إيران، استطيع بكل ثقة وحيادية القول إن تلك القمم التاريخية الإستثنائية الفريدة، كانت ناجحة بكل المقاييس، بل نجاحاً باهراً أثار حفيظة إيران، وقض الذعر مضاجعها من قدرة الدبلوماسية السعودية المدهشة على عزلها في لحظات. فارتعدت فرائص زعيمها روحاني الذي أدرك في داخله حقيقة قوة تأثير السعودية، فسارع للتشكيك في أحقيتها وقدرتها على التأثير في العالمين العربي والإسلامي من خلال أسطوانة مشروخة، عادة ما تلجأ إليها إيران في مواقف الضعف هذه، من خلال إشارته الخجولة لضرورة الاهتمام بـ (أولى القبلتين).
وقطعاً ما كان لوزير خارجيته، محمد جواد ظريف، الرجل غير الجواد وغير الظريف، أن يترك رئيسه وحيداً في محنته تلك وعزلته، أو قل ورطته تلك، فجاء يواسيه مذكِّراً المجتمعين الأشاوس الكبار في قصر الصفا أن (القدس ليست للبيع)، ناسياً الرجل غير الظريف أو متناسياً أن السعودية هي أكثر دول العالم اهتماماً بالقدس ودعماً للفلسطينيين؛ ويبدو أن ذاكرته خانته، فنسي أن السعودية أطلقت على القمة العربية العادية التاسعة والعشرين التي عقدت في الظهران (قمة القدس).. ووقتها أشاع إعلام الرجل غير الجواد هذا، أن السعودية اضطرت لعقد تلك القمة في الظهران خوفاً على الزعماء العرب من صواريخ الحوثي، بالطبع هو يقصد صواريخ إيران التي ترسلها للحوثيين، ومن ثم تأمرهم باستهداف السعودية نيابة عنها، وللأسف الشديد ذهب بعض الإعلام المحلي لرأي ظريف هذا أيضاً، فوجد فيه إعلامه مبرراً لما ذهب إليه.. لكن ظريف نسي أيضاً تلك المرة أن السعودية فعلت ذلك تحدياً لإيران نفسها، رأس الحية، وليس ذيلها في صعدة، لأن الظهران أقرب إلى وكر الشر طهران من الرياض. كما يبدو أن ظريف هذا نسي أيضاً أن منظمة التعاون الإسلامي التي اجتمعت اليوم في مكة المكرمة، تأسست رد فعل حاسم على إحراق اليهود للمسجد الأقصى قبل خمسين عاماً، وأن القائد سلمان أكد في كلمته في القمة الإسلامية هذه، مثلما يؤكد دوماً في كل مناسبة: (تمثل القضية الفلسطينية الركيزة الأساسية لأعمال منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي محور اهتمامنا حتى يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على كافة حقوقه المشروعة التي كفلتها له الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية)، ثم يضيف القائد الهمام سلمان: (… نجدد التأكيد على رفضنا القاطع لأي إجراءات من شأنها المساس بالوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف)؛ بل نسي ظريف أيضاً أن تلك المبادرة العربية الشهيرة التي ضمنت حقوق الشعب الفلسطيني هي صناعة سعودية بامتياز؛ ومع هذا كله يتحدث الرجل غير الجواد وغير الظريف للأسف الشديد عمَّا يعرف بـ (صفقة القرن)، محاولاً التشكيك في دور السعودية ومسؤوليتها الإسلامية والعربية والأخلاقية تجاه قضايا العرب والمسلمين.
والحقيقة ثمَّة أموراً بروتوكولية عديدة لفتت الانتباه في أحداث هذه القمم الثلاثة التي عقدت بقصر الصفا العامر بمكة المكرمة في الزمان نفسه والمكان ذاته، فضلاً عن قدرة السعوديين التنظيمية المدهشة، وكفاءة قيادتهم الدبلوماسية الفريدة التي لا مثيل لها، يصعب حصرها هنا؛ غير أن المراقب المنصف الحصيف لا يمكنه تجاوز أمرين اثنين مهمين، بل غاية في الأهمية، من دون أن يشير إليهما و لو في إيجاز سريع، نظراً لدلالتهما التي ربما تغيب عن ذهن كثيرين:
الأمر الأول:
إستقبال الملك سلمان – حفظه اللّٰه – ، رئيس القمم، مستضيف تلك الوفود الكريمة التي جاءت من كل فج عميق، لرئيس وفد قطر، عبد الله بن ناصر آل ثاني، رئيس الوزراء، وزير الداخلية، في قصر الصفا رسمياً، مبتسماً وتبادل الحديث معه كعادة راعي العوجا، الشهم العربي النبيل الأصيل دائماً، الذي لا يعرف الحقد إلى قلبه الكبير سبيلاً، ويدرك في الوقت نفسه كيف يفصل الأمور عن بعضها بعضاً؛ في حين جاء (الثاني، أو قل آل ثاني) يمشي كأنه في ساحة قتال.. عابساً، متجهماً، مغضب الجبين.
الأمر الثاني:
تقديم صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان ولي العهد، لرئيس وفد قطر هذا نفسه، لكي يمشي أمامه مع قادة الوفود، مؤكداً له أن اختلافه معه لا يحرمه من تمتعه بحقه من الاحترام والتقدير والإكرام، والمصافحة أيضاً إن لزم الأمر، كونه رئيس وفد ثم إنه ضيف في دار الكرام؛ فيما ظل (آل ثاني) على هيئته السابقة هذه المرة أيضاً: عابساً، متجهماً مغضب الجبين.. وعلى كل حال، أترك التعليق هنا لفطنة القارئ الكريم. وإن كان لي من كلمة هنا، فأكتفي بالتأكيد على أن قادة السعودية الكرام لا يعادون الأشخاص لذاتهم، بل يختلفون مع الرؤى والتوجهات السياسية والتصرفات غير المسؤولة، ومن أراد الاستزادة في هذا فاليراجع تاريخ عبد العزيز، معلم الجميع وملهمهم.
وأخيراً:
أنتهي إلى أهم رسالة في تقديري المتواضع باتفاق الجميع، أفضت عنها تلك القمم التاريخية الاستثنائية الثلاثة، وجهها قائد الأمة الهمام سلمان لإيران: (يجب استخدام كافة الوسائل لردع هذا النظام والحد من نزعته التوسعية… سنتصدى بحزم للأنشطة التخريبية). وعليه ينبغي على إيران أن تنتبه جيداً، وأن تأخذ هذا التحذير في الحسبان مأخذ الجد، وأحسب أنها اليوم أكثر منها بالأمس فهماً لحزم سلمان وعزمه وقدرته بإذن الله على الحسم. فمع ما حققه هذا الحراك الدبلوماسي السعودي الفريد الذي شهدته مكة المكرمة من نجاح منقطع النظير، يظل أول الغيث.. والقادم أعظم بعون الله وتوفيقه؛ إذ بإمكان قائدنا الهمام سلمان أن يجمع العالم كله غداً على كلمة سواء ضد إيران، فتجد نفسها وحيدة معزولة عن المنظومة العالمية كلها.
وقطعاً لا يفوتني أن أبشر إخوتنا العرب على امتداد وطننا العربي الكبير، بعزم سلمان ونيته الصادقة لنا جميعاً، كما جاء في خطابه المعني: (يجب العمل على جعل العالم العربي مركزاً اقتصادياً وثقافياً مؤثراً في العالم، بما يعكس مقدرات الدول العربية وشعوبها الاقتصادية والثقافية والتاريخية)، مناشداً جميع قادة الدول العربية أن يشدوا على يد سلمان ويؤازروه لتحقيق طموحه برفاهية الجميع، وحفظ استقلالهم وصون كرامتهم، تحقيقاً لشعار قمة مكة المكرمة: (يداً بيد.. نحو المستقبل).
ومثلما أستهللت مقالي هذا بحمد اللّٰه، وجب عليَّ أن أختمه بشكر المنعم الوهاب: فالحمد لله الذي جعل فينا سلمان قائداً لمسيرتنا وحادياً لركبنا، يعاضده ويسانده ولي عهدنا القوي بالله المخلص الأمين، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.. فالتهنئة بهذا النجاح الدبلوماسي الباهر الفريد في تاريخ العرب والمسلمين الحديث لمقامهما الكريم، كما لا يفوتني أيضاً أن أهنئهما بحلول الذكرى العطرة لبيعة أخي ولي العهد الذي تحقق البلاد مع بزوغ كل فجر جديد إنجازاً مهماً من خلال تطبيق رؤيته الطموحة الذكية (٢٠٣٠)، التي لن يكون آخرها بالطبع برنامج خدمة ضيوف الرحمن الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين مليك البلاد المفدى سيدي الوالد سلمان في شهر الخير هذا أيضاً في الرحاب الطاهرة بأم القرى. والتهنئة موصولة للشعب السعودي المخلص الوفي، مذكراً إيَّاه هنا بتلك الثقة الكبيرة والمسؤولية الجسيمة التي ألقاها على كاهلنا جميعاً قائدنا إلى الخير سلمان يوم خاطب الإخوة القائمين على برنامج خدمة ضيوف الرحمن وهو يشكرهم على هذا الإنجاز الرائع قائلاً بلهجته الصادقة المعهودة: (ترانا كلنا خدام للحرمين الشريفين.. مو أنا لحالي).. كلام كبير غاية في الأهمية، لا يصدر إلا من قائد مهم كبير مثل خادم الحرمين سلمان. وبالطبع التهنئة موصولة أيضاً للشعوب العربية والإسلامية حيثما كانت، بهذه القيادة الرشيدة التي تحمل هم الجميع، وتنافح عن حقهم في حياة كريمة آمنة، لا يرهبها وعيد أو تهديد، ولا يفت عضدها تخاذل الصغار أو تآمرهم، مثلما لا يقعدها عن الاضطلاع برسالتها السامية العظيمة ثناء المادحين أو إطراؤهم.. وكل عام قيادتنا بخير وصحة وعافية، وبلادنا في أمن وأمان ورخاء وسلام.