من عاش في هذه الدنيا سواء طال به الدهر أو قصر،و اكتمل عقله عند الكبر، و أدرك من حوله حقيقة الأمر،بين يُسر على قمم الجبال الي عسر في منعطفات النهر..
هذه الدنيا يا سادة، الابتلاء من خواصها،و التقلب من عادتها،يتقلب فيها المرء بين اليسر و العسر،و القوة و الضعف،يعيش فيها المرء بين قمم جبال الراحة،و قد يرمى في و دينا المشقة،فمن ما سبق ذكره عن الدنيا يتولد لدينا نظرة للابتلاء، فبين نظرة لابتلاء المطيعين لربهم و بين نظرة لابتلاء المذنبين،لكل منهم غاية من ابتلائه نذكرها هنا باختصار:
فالطائع لربه،و المؤدي لفرضه،و القائم بحقوق ربه،و الصائن لأمانته و عهده،لا يكون إبتلائه إلا لمعرفة مدى صدقه و صبره،و معرفة قوة التعلق بربه،و تهيئة النفس و تنقيتها من نجاسة الذنوب و من أمراض القلوب،فالامتحان الحقيقي لمعرفة صدق العبد هو الابتلاءات في المنعطفات،و مدى صبره على المدلهمات،يقول الله سبحانه(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)
فالاختبارات دائمة،و مكابدة المشقة مستمرة و هذه هي الدنيا كما قال الشاعر المشهور من أهل تهامة علي بن محمد التهامي:
طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء و الأكدار.
أما عند الطرف الآخر،من يقابل نعمة الله بالكفر،و تجاه فرائضه و واجباته بالتقصير،متخبط بين الفساد و الصلاح،لم يكن إلا كثوب أبيض عليه بقع من الاوساخ يصفهم الله في كتابه{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا...}.
هذه الفئة مع ابتلاء الله لهم إلا أن ابتلائه فيه رحمة بهم،يريد الله منهم العودة إلى دروب السلامة و الهداية،و الابتعاد عن دروب الغي و الضلالة يقول الله سبحانة{وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
فمصائب الدنيا بأشكالها المختلفة،لم تكن إلا رحمة من الله لكي يسلم العبد من عذاب النار،و يعود إلى ربه عودة مقلع عن الذنب من دون إصرار.
أخيرًا..بين ابتلاء الله للطائعين لاختبار صدقهم،و ابتلاء المذنبين للعودة إلى ربهم..أسأل الله أن يرزقنا الإيمان الصادق،و أن يجعلنا من الصابرين على الشدائد،و العائدين إلى درب الهداية من بعد دروب الغواية،ما خطت يدي هنا إلا قليل بما يتعلق عن هذا الموضوع،ما أردت إلا ان يكون ليس بالطويل الممل و لا القصير المخل و الله ولي التوفيق.