إن الدعوة إلى الخير من أهم التكاليف التي أمرنا الله عز وجل بالقيام بها، بل إن الله عز وجل جعل الخيرية من أهم الصفات التي وصف بها أمتنا في كتابه العزيز، حيث قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (سورة آل عمران، 110). وقد جعل الله الدعوة إلى الخير من أهم ما جاء به المرسلون فقد كان الرسل والأنبياء عليهم السلام أئمة الناس في الدعوة إلى الخير لما جاءوا به من هدى يصلح به حال الناس في الحياة الدنيا ويكون ذخراً لهم للنجاة في الآخرة، وقد حمل الدعوة إلى الخير من بعد الأنبياء والرسل الصالحين من تابعيهم ليسيروا في هذه الحياة بالمنهج الذي تركه الأنبياء، وقد أمر الله باتباع ما جاء به الأنبياء وما جاءت به الرسالات من الدعوة إلى الخير فقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (سورة يوسف، 108).
*لماذا ندعو إلى الخير؟*
للدعوة إلى الخير أهمية كبيرة في أي مجتمع كان فمن خلال الدعوة إلى الخير يمكن أن تصلح حياة المجتمعات، فهي دعوة غاية في الأهمية ويترتب عليها الكثير من النتائج في حياة المجتمعات، والدافع الأساسي وراء الدعوة إلى الخير هو تحقيق رضوان الله عز وجل والبعد والنجاة من سخطه، فإذا ما قام مجتمع على أساس الدعوة إلى الخير أثمر ذلك الكثير من النتائج التي يمكن أن يلمسها أهل هذا المجتمع، فيتحقق لأهل المجتمع ما يرغبون به من صفاء الحياة وانتشار المودة والمحبة وينجون بالدعوة إلى الخير من كل الآفات التي تعكر صفو حياتهم وتخرجهم من ظلمات الشرور من غشٍ وظلمٍ واعتداء.
*لماذا اهتم الإسلام بالدعوة إلى الخير؟*
كانت حكمة الله عز وجل أن الشر والخير موجودان متلازمان يطغى أحدهما على الآخر بقوة اتباعه واعمالهم في هذه الحياة، وقد انقسم الناس في هذه الحياة إلى معسكران أحدهما معسكر الخير يعيش بهدي الله وأوامره والآخر معسكرٌ للشر بقيادة إبليس يعيش بضلاله وشره، وقد كرس إبليس حياته منذ أن خلق الله عز وجل آدم للتربص بالناس وحرفهم عن طريق الخير الصحيح واغوائهم للوقوع في الشرور، وكان لزاماً على أهل معسكر الإيمان والخير أن يواجهوا أهل الشر بالدعوة إلى الخير والحرص على تطبيق مبادىْ الخير في كل مناحي الحياة، وذلك ليكونوا خير مثالاً للناس للوصول إلى الفوز في هذه الحياة والنجاة في الآخرة، فالخير مهما كان صغيراً فإن اتباعه يؤثر الأثر العظيم في حياة أي مجتمع، ولذلك فقد قامت رسالة الإسلام العظيمة في الأساس على نشر الخير وتحقيقه في الحياة بمختلف مستوياتها وجوانبها.
*الخير رسالة المؤمن*
المؤمن التقي يحمل رسالة الخير في كافة جوانب حياته وينشرها أينما حل وارتحل، فالخير ينشأ من نية المؤمن أن كل ما يقوم به من أعمال وكل ما يقوله من أقوال هو في الأساس من أجل الله عز وجل، فلا يسبب المؤمن ضرراً لأحد سواء كان إنسان أو حيوان أو نبات، فرسالة الخير عند المؤمن شاملة لكل ما تشتمل عليه الحياة، وإذا ما تسبب المؤمن بمفسدة بقصد أو بغير قصد سارع إلى تصحيحها ومعالجتها كيلا يتضرر أحد منها أو ليوقف الضرر الواقع منها ويقلله، وحتى لو لم يكن هو المتسبب بها فالمؤمن يقوم بفعل الخير دائماً حتى لا يتأذى أحد، وقد جعل الله لفعل الخير الثواب الكبير مهما صغر فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) رواه مسلم، ومهما قلت أو كثرت أهمية ما يقوم به المؤمن من خير فإنه دائماً يسارع فيه ويحث عليه ويقبل عليه.
*كيف تكون داعياً للخير؟*
يجب عليك أخي المؤمن أن تبادر دائما بالدعوة إلى الخير في كل المواقف والظروف والأوقات، فلا يوجد وقت مناسب أو غير مناسب لفعل الخير، ومن أهم أوجه الدعوة للخير أن تكون حسن المظهر حسن القول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ) وعلى بساطتها إلى أن لحسن المظهر وحلاوة اللسان أهمية كبيرة في التأثير في الناس ودعوتهم إلى الالتزام بالخير وترك الشر، ثم إن من أهم أساليب الدعوة إلى الخير أن تكون كإنسان مؤمن ملتزماً بالقوانين والأنظمة ممتثلاً لها وينبع ذلك من اتباع المؤمن وانقياده لتشريعات الدين الحنيف والتي تربي في المؤمن الالتزام، كما أن الالتزام بالأخلاقيات العليا والمحافظة على الآداب العامة من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن حتى يكون قدوة ومثالاً يتبعه غيره من المؤمنين والناس عامة، ومن أهم الأمور التي يجب أن تكون فيها داعياً للخير أن تكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، فلا يمكن أن يقبل المؤمن بمنكر يقوم الناس باتباعه بل يسارع إلى إصلاحه والدعوة إلى تركه والدعوة إلى اتباع المعروف، ويتبع المؤمن في هذا تعاليم وتوجيهات الدين الإسلامي من خلال ما جاء به القرآن والسنة.
*وختاماً* فإن رسالة المؤمن في هذه الحياة الدنيا هي الدعوة إلى الخير، وعليك أخي المؤمن أن تلتزم بالرقة واللين في الدعوة إلى الله فلا يمكن قبول النصيحة واحترام الخير الذي تدعوا إليه لو كنت فظاً غليظ القلب، فكما قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (سورة آل عمران، 159).