منذ أول هجوم لكوفيد 19 ( كورونا ) على البشرية لعام 2020 م قبل ما يربو على ثلاثة أشهر عجاف ، والعالم يعيش حالة انقلاب شامل على نفسه ، تغيرت فيها كثير من الثوابت الحياتية ، واهتزت الكثير من الموازين البشرية ، ووقفت الدول بكل ما أوتيت من زخم اعلامي وبحث علمي وتجارب دراسية وامكانات طبية ، وقفت عاجزة عن الإمساك بذيل العدو فضلاً عن رأسه ، وظل يراوغ ويضرب العالم يمنة ويسرة ، يضرب صحته واقتصاده ، ولحمته الاجتماعية ، ومفاصله التحتية ، فسقطت الضحايا ، وتوالت الإصابات ، وبات العالم يترقب وينتظر محصوراً في زاوية من الحرج والخوف والتردد ، بعد أن يئس من الامساك بخصمه ، أو الوصول للسلاح المناسب لقتله ، أو سجنه ، وأجبر الجميع على الانزواء داخل منازلهم في أضيق زاوية ، وترك الشوارع والميادين بسعتها للعدو الصغير العابث بمقدرات البشر ، ولم يجد مدافعاً يتصدى له غير ثلة صغيرة ، ظلت تتلقف الساقطين من ضحاياه ، وتحاول انقاذ من يمكن إنقاذه منهم في مواجهة مع العدو في خطوط تماس مباشر أدت إلى سقوط بعض المقاومين من ذوي اللثام الأزرق ، حيث سقط عدد من جنرالات الطب وجنود الصحة وهم يدافعون عن العالم والانسانية ، في تضحية نادرة ، لن ينساها التاريخ ،وسيسطرها للأجيال القادمة بكل فخر .
لم يتوقف اللثام الأزرق الذي انطلق من ردهات المستشفيات ، حتى أصبح إحدى وسائل الحماية المجتمعية ، فلجأ الناس لارتدائه لمواجهة العدو ، فانتقل اللثام من موقعه الأصلي على أفواه العاملين بالقطاعات الصحية إلى أفواه السكان ومرتادي الطريق والناس اجمعين ، حتى تمكن العدو من تقييد الحريات وكتم الأنفاس وخنق الحياة ، فخلت الطرقات ، وأغلقت المحلات ، وصودرت الكثير من الرغبات ، ومنع التجمع للعبادات والمناسبات ، ليعيش العالم بعيداً عن نفسه ويبقى كالمراقب لحياته السابقة قبل المرض في حالة تقييمية تقديرية لإعادة الحسابات على كل الأصعدة ، إعادة الحسابات في التعامل مع الخالق العظيم ، واعادة الحسابات في التعامل مع الخلق والبشر أجمعين ، واعادة تنظيم العلاقة بين الشعوب والجيران ، وتغيير لغة الظلم والعدوان والتجاوز والقتال بلا طائل .
وبعد معارك طاحنة خلال الشهور الماضية ، يجد العالم نفسه مضطراً ، للتعايش مع عدوه الذي لا يرحم ولا يتراجع ، فانتهى الحظر وتوقف الحجر وأخذ الناس جرعة من الوعي والاعتياد على الحبس المعنوي والمادي ، وبدأ نوع من التحرر قليلاً من القيود ، إلا أن اللثام الأزرق لا زال قائماً بدوره كوسيلة حماية هامة لن يستغني عنها العالم سريعاً ، بل هي حبل النجاة بعد التوكل على الله والعمل بالأسباب من أجل العودة إلى طبيعة الحياة .
واليوم ونحن نشاهد الخارجين من حظر التجول وهم ينتشرون في كل مكان ، نستشعر ما كنا فيه من النعم العظيمة التي اعتدنا عليها طول عمرنا حتى ظنناها لا تتغير ولا تزول ، لكننا اليوم أضحينا على يقين علمي وعملي أنه لا يدوم شيء على هذه الأرض وأن كل شيء قابل للتغيير والزوال إلا ما وقر في القلوب من إيمان راسخ وفي العقول من علم نافع وفكر ناضج .
ومن وهبه الله شيئاً من الفهم استطاع أن يستخلص الدروس والعبر من هذه الجائحة وتسلط هذا العدو الصغير المتناهي الصغر على البشرية وأنه نموذج لجواائح وأعداء قادمون ، لا نعلم مكانهم ولا زمانهم ولكن نعلم أن العمل الصالح بكل أنواعه ، عمل الدنيا وعمل الآخرة ، والتوازن ، والعدل ، والبعد عن التجاوز والتطرف في كل مناحي الحياة ، هو المخرج بإذن الله من كل ما قد يطرأ في قادم الأزمان .
تحية وإجلال لبلادنا وقيادتنا على ما قدموا من تضحيات ودعم ومواقف مشرفة تجاه البلاد والعباد .
تحية وإجلال لأبطال الصحة الذين ضحوا وبذلوا جهوداً تذكر فتشكر .
تحية وإجلال لرجال الأمن في كل مجالاتهم على الحدود وفي الداخل على ما بذلوه في حفظ الأمن وتنفيذ الاشتراطات الوقائية .
تحية للمحتمع الواعي الذي تعامل بحذر مع المرض واستجاب للتوجيهات والتزم بالأنظمة والتعليمات
وخالص الدعاء الى رب العالمين لحفظ البشرية من كل سوء وبلاء وأن يوفقنا جميعاً لما فيه صلاح العالم وسعادته ، وأن ينقشع عنا المرض وأن يزول عنا اللثام الأزرق الخانق لأنفاس الحرية وأن يعود الهواء نقياً كما كان.